الدين البشري المخترع
فصل الشرعة عن الملة
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
عاش العرب فيما سماه الوحي ( جاهلية ) وهم يؤمنون بالله سبحانه وتعالى بأنه الخالق والرازق والشافي ، وعلموا أنه يبعث الناس للحساب والجزاء بعد أن أحصى عليهم ما قدموه ، هذا لا يختلف عليه .
أيضاً كانوا من العابدين لله سبحانه ، المتقربين إليه ، جاء في الحديث عند البخاري :
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ ، أَنَّهُ قَالَ : ” يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ ، أَوْ أَتَحَنَّتُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صِلَةٍ ، وَعَتَاقَةٍ ، وَصَدَقَةٍ ، هَلْ لِي فِيهَا أَجْرٌ ؟ قَالَ حَكِيمٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ “
فحكيم رضي الله عنه كان يتعبد لله قبل إسلامه ، صلة رحم لله ، صدقة لله ، عتق رقاب لله !
كما ثبت أن أهل الجاهلية كانوا يصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون وينصرون المظلوم ويحلفون بالله ، يعنى لهم دين يؤمنون به ويلتزمون بشرائعه .
لكن مصادر هذا الدين كانت خليط بين دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وبين آراء فقهائهم وكبرائهم وعلمائهم الذين شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله .
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليعيد الأمور إلى نصابها ، ويعيد حق تشريع الدين إلى الله سبحانه ، ويفهمهم أن المصدر الوحيد لتلقى الدين هو الوحي الذي يرسله الله سبحانه إلى البشر .
فكان من الخروج من الشرك إلى الإسلام طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغه عن ربه في الشرعة ، يعني قال : ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، وكانوا قد بدلوا هذا فنزل التصحيح ليعودوا إلى توحيد مصدر التشريع .
وهكذا في كل مسألة ، سنطرح الدين البشري المخترع ونعود إلى الوحي ، والأمثلة كثيرة في هذا الباب .
إذن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في باب الشرعة هو من التوحيد الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليعيد الناس إليه .
فلما عاد عمرو بن لحي حياً في أمتنا في صورة إمام أو صاحب مذهب ، فصل الشرعة عن الملة ، فجعل التوحيد خاصاً بالذبح والاستغاثة وطلب الرزق والذبح ،
وفصل تلقى الشرعة عن التوحيد وسماه فقها أو شعائرَ .
بمعنى آخر ، التوحيد ألا تذبح لغير الله ، لكن يمكنك تلقى الشرعة وأحكامها من غير الله كالسلف والأئمة والمجتهدين!
وهل جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلا لإصلاح الشرعة المحرفة المتلقاة من مصادر بشرية وإعادة الاتباع إلى الوحي ؟
فلما جهل الناس هذا ، وصاروا سلفية وهابية تيمية أو مذهبية شافعية ومالكية وحنفية وحنبلية صاروا يتلقون الشرعة من أفواه واراء البشر وقياسهم بلا خوف ولا وجل !
ولم الخوف والوجل ؟ وهو لا يذبح لغير الله ؟ ولا يطلب الرزق إلا من الله ؟
وعلى هذا الحال جماعات كثيرة يسمون انفسهم ملة إبراهيم ، وفلان الموحد ، وأم فلان عدوة المشركين ، وقاهر الطواغيت و…..
فإن كلمت واحدا منهم تجده سلفياً أو تيمياً أو مذهبياً يحكم على الجميع بالكفر لأنهم عطلوا أحكام الله ولم يتحاكموا إلى شريعته !
فإن كلمته في صلاة غسل وضوء صوم زكاة أي شرعة ، وجدته على دين قريش ، يتبع أقوال عمرو بن لحي المعاصر أو المتوفى ! ولا يدرى أن الشرعة لا تؤخذ إلا بالوحي ، وأن تلقيها من البشر وآراءهم هو شرك تماماً كالذبح لغير الله وطلب الرزق والشفاء من غير الله !
أقنعتك المذاهب البشرية أن الشرعة أمور فقهية لا علاقة لها بالملة وانه يكفيك أن تذبح لله وحده وتطلب الرزق والشفاء منه وحده ، وتتلقى الاحكام منهم هم .
فهذه الأحكام البشرية في الشرعة هي أحكام وضعية طاغوتية لا تختلف عن الذبح لغير الله ولا عن طلب الشفاء والرزق من غير الله .
{ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ } [البقرة:166]
{ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } [البقرة:167]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ