كيف نفهم الإسلام فهماً صحيحاً

ما هي الطريقة الصحيحة لفهم دين الإسلام من نصوص الوحي ؟

 الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ 

 

بعد الأمر الأول ، وكما يحدث بعد كل نبي ، بدأ الكمال في التناقص ، وبدأ التغيير والتحريف والتبديل ، هذا الأمر بالأساس يستهدف الملة في المقام الأول ثم يسرى إلى الشرعة تبعاً لذلك .

 

نتج عن كرة الثلج من التحريف والتغيير هذه ملة ( يسمونها عقيدة ) جديدة ، نسبت لتقوية مركزها وتثبيته إلى ( السلف ) أو إلى ما يُسمى ( أهل السنة ) ، وبالتالى فأنت عندما تفكر وتستخدم عقلك محاولاً الوصول إلى الملة الصحيحة وهي ملة أبينا إبراهيم فإنك على الفور تصطدم بالسلف وأهل السنة ( وهي مسميات تنتحلها جميع الفرق ) .

 

وعندما يحصل هذا التصادم فإنك تبدأ بالشك في نفسك وفي فهمك وفي كتاب الله وصحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف يمكن للمسلم أن يخرج من تيه السلف وأهل السنة إلى الصراط المستقيم ؟

 



تعالوا نضرب مثالاً :

يقول المحرفون : مصادر التشريع هي الكتاب والسنة والقياس والإجماع ، ويضيف بعضهم المصالح المرسلة او عمل أهل المدينة ، وغير هذا .

 

أنت الآن كمسلم متحيرٌ ، الكتاب تعرفه ، وتطبيق نبي الله صلى الله عليه وسلم للكتاب تعرفه ، لكن ما هو هذا القياس ؟

 

القياس ببساطة تناسب المقام هو : أن تفهم أنت بدون نص من الوحي أن هذا الحكم علته هي كذا ، فتقول كل ما علته هذا ( الكذا ) ينطبق عليه نفس الحكم .

 

هل فهمت ؟

تعالوا نضرب مثالاً حياً يبسط الأمر :

عن أبى المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي فيه سواء ) .

 

الآن عندنا ستة أصناف جاءت في الرواية ، هذه الأصناف الستة نص من الوحي الذي جاء به جبريل عليه السلام وبلغه لنبي الله صلى الله عليه وسلم فبلغنا إياه .

 

الآن سيتدخل القياس وأهله في ( فهم ) النص ، وسيقول بعضهم : علة هذا النهي هو كون هذا الأصناف توزن !! ( هذا طبعاً لم يأت في نص لكنه قول بشري مجرد ) ، إذن ما هي النتيجة المترتبة على تعليل النهي بهذه العلة ؟ النتيجة هي أن كل ما يوزن سيدخل في هذا النهى عند القائل بهذا القول ، يعني كل شئ بمعنى الكلمة حديد إسمنت عنب لحم أي شئ يوزن ينطبق عليه نفس الكلام .

 

سيعترض فريق آخر ( يرى ) أن العلة هي ( النماء ) أي كون هذه الأصناف قابلة للإنماء والزيادة ، وهذا كما ترى لم يأت في كتاب ولا سنة ، لكنه مجرد ( رأي ) أو ( فهم ) من قائل هذا القول ، سيترتب على هذا ( الرأي ) أن كل ما هو قابل للنماء سيدخل في هذا الحكم ماشية دواجن زروع كل شئ تقريباً .

 

دعنى لا أعرض عليك مزيد علل من القياسيين ، لكن هل فهمت أن تحديد هذه العلة المزعومة هو قول بشرى بلا خلاف ؟ وأن الأحكام المبنية على هذا التحديد البشرى هي أحكام بشرية بلا خلاف ؟

 

دعنى ارجع معك إلى مصادر التشريع المزعومة المخترعة والتى منها ( القياس ) ، المستدلون بكون القياس هو مصدر من مصادر التشريع يقولون أن هذا الذى قالوه إنما استدلوا عليه بالكتاب والسنة ، يعنى ملخص قولهم أن الوحي هو من أمرهم باستنباط العلل وبناء الأحكام على هذه العلل ، ثم يسوقون آيات وأحاديث يزعمون أنها هي التى جعلت القياس مصدراً للتشريع ، وجعلت منهم المسؤولين عن استنباط العلل وتعميم الأحكام .

 

وهذه الآيات والأحاديث ليس فيها نص واحد صريح يقول : قيسوا برأيكم على أحكام الوحي ، أو استنبطوا العلل ، أو نقحوا المناط ، فهي في النهاية غير قطيعة الدلالة على الأمر بالقياس نهائياً .

 

الآن أنا لست طالب علم ، وليس عندى القدرة على الرد على هذه الأدلة التى يستدلون بها فكيف أخرج من هذه الشبهات ؟ ، كيف أعرف الفهم الصحيح لهذه النصوص ؟

 

الأمر كما قال الله سبحانه في كتابه :

 

{  هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ  } [آل عمران:7]

 

هذا هو المخرج الأيسر والأقوى من كل شبهة ، شريطة أن تفهم آلية عمل هذه الشبهة .

 

أنت الآن تفهم أن عملية القياس عملية بشرية لا شك فيها مبنية على الرأي والفهم الشخصي ، فهل جعل الله سبحانه البشر شركاء له في عملية تشريع الأحكام ، وهل أراد الوحي هذه الأحكام لكنه سكت وتركت التصريح بها للبشر ؟

 

– هل يمكن أن يشرك الله في حكمه أحداً ؟

الإجابة القاطعة من كتاب الله :

{  قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا  } [الكهف:26]

 

لا يمكن أن يترك الله سبحانه تشريع الأحكام لبشر ولا لملك كريم .

 

إذن فقضية القياس فاسدة ولو لم أفهم الأدلة وصحتها ودلالتها بهذه الآية الجازمة فقط .

 

– هل يمكن أن يأمرنا الله سبحانه باتباع أي شئ غير الوحي المنزل من عنده ؟

 

الإجابة القاطعة من كتاب الله :

 {  اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ  } [الأعراف:3]

 

اتبعوا – ولا تتبعوا 

اتبعوا ما أنزل حصراً ، ولا تتبعوا شيئاً آخر ، فالمسلم مأمور باتباع المنزل فقط من الوحي من عند الله سبحانه .

 

– هل يمكن انشاء دين بلا إذن من الله ؟

 

الإجابة القاطعة من كتاب الله :

{  أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  } [الشورى:21]

 

فالذين ينشؤون أحكاماً في الدين بغير إذن من الله بقياسهم ورأيهم هؤلاء في الحقيقة إن اتبعتهم فقد اتخذتهم شركاء لله لأن هذا الشرع المخترع لم يكن معه إذن من الله .

 

فهل التعليل السابق كمثال في حديث الأصناف الستة هو منزل من عند الله أم تنزلت به الشياطين ؟ ، اليقين أنه ليس منزلاً من عند الله .

 

هل أذن به الله ؟ قطعاً لم يأذن به الله .

 

– هل يمكن ان يأمرك النبي صلى الله عليه وسلم باتباع شئ غير الوحي ؟ غير أحكام الله سبحانه ؟

{  مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ  } [آل عمران:79]

{  وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ  } [آل عمران:80]

يعني لا يمكن لنبي أن يقول للناس اتبعوا حكمى أنا في مسائل الدين لكن هو جاء ابتداء  ليقول كونوا ربانيين ، ولا يمكن أبدا يأمركم حتى ان تتبعوا شرعة جاءت من ملك كريم ولا حتى نبي آخر .

يعنى أنت لو اتبعت شرعة موسي بن عمران حاليا تصير كافراً ؟ رغم انها جاءت من الله ومع نبي من أولي العزم وليس من بشر عاديين ؟ 

 

 

فلا تصدق أي كلام يأتوك به يقول لك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا نتبع فلان أو علان وسنة فلان أو علان ، هكذا يأمرنا القرآن .

 

فالمسلم يفهم الأدلة المتشابهة في إطار النصوص المحكمة ، فكل نص من النصوص التى يستدلون بها على القياس وأنه مصدر للتشريع نفهمها في إطار أن الله سبحانه أمر باتباع الوحي المنزل من عنده حصراً ، وأنه لا يشرك في حكمه أحداً ، وأن أي حكم في الدين لابد أن يكون بإذن من الله سبحانه ومن عنده .

 

ومن يزعم فهماً يبطل هذه الآيات المحكمات ويعطى البشر حق تعليل أحكام الوحي وإنشاء أحكاماً لم تنزل في الوحي قياساً عليها واعتبارها دينا للناس يعبدون به الله فقد أعطى للبشر حق التشريع في دين الله وأهدر هذه الآيات المحكمات الواضحات وجعلها كأنها لم تنزل .

 

فالمسلم يفهم جميع النصوص فى دائرة المحكم ، سواء كانت هذه النصوص يستدلون بها على القياس أو على اتباع فهم السلف أو على أقوال الأئمة وغيرهم ، فالكل يُرَدُ إلى المحكم الذي مقتضاه أن :

 

– الأمر بالاتباع إنما هو حصرٌ في الوحي المنزل على نبي الله صلى الله عليه وسلم.

 

– أن الله لا يشرك في حكمه أحداً ، لا رسول ولا مَلَكَ فضلاً عن بشر عاديين لا يتميزون عن غيرهم بشئ .

 

– أن أحكام الشريعة توقيفية جميعها ولابد لها من إذن من الله بنص من الوحي ولا يُتَعَبد بآراء وأفهام الناس .

 

– لا يمكن أن يأمرك نبي أن تتبع شيئا غير الوحي المنزل عليه من الله سبحانه .

 

فهذا هو الإطار الذي نفهم فيه كل نصوص الوحي ، وكل فهم يضرب بهذه النصوص عرض الحائط فهو فهم باطل لا شك في هذا .

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *