المتعنتون المتوسطون المتساهلون

الحمد لله رب العالمين ، الرحمان الرحيم ، مالك يوم الدين ، أشهد أن لا إله إلا اله ، المتفرد بالألوهية والربوبية ، له الخلق والأمر ، سبحانه وتعالي عما يشركون .

وأشهد أن محمداً صلي الله عليه وسلم عبده ورسوله ، َمنَّّ به الله سبحانه وتعالي علي الخلق ، ليتم به النعمة ، ويختم به الرسالة ، ويهدي به من يشاء إلي صراط مستقيم ، ثم أمّا بعد ،


فإن الله سبحانه وتعالي ابتعث محمداً صلي الله عليه وسلم إلي الناس جميعاً ، وأمر الخلق كلهم بطاعته واتباعه ، لا فرق في هذا بين أبيض وأسود ، ولا عربي وأعجمي ، ولا أنس وجن .


وأعد لمن اتبع الرسول صلي الله عليه وسلم الجزاء الحسن في الدار الآخرة ، خالدين فيها أبداً .


وأعد لمن العصي الرسول صلي الله عليه وسلم نار جهنم ودرجاتها ، كل علي قدر جُرمِه وذنبه ، أو علي قدر كفره ومشاققته لله سبحانه وتعالي ولرسوله صلي الله عليه وسلم .


وأغلق سبحانه وتعالي كل طريق يؤدي إلي جنته , وإلي رحمته إلا من طرق محمد صلي الله عليه وسلم .

فوجب علي كل عقل فهم هذا وآمن به أن يكون شغله


الشاغل هو : كيف أكون متبعاً لمحمد حذو القذة بالقذة ؟؟


والوصول إلي ما كان عليه محمد صلي الله عليه وسلم أمر غير يسير ، وطريق شاق غير مذلل ، لا يقوم له إلا الرجال ، ولا يسعي إليه ساع إلا بتوفيق من الله وفضل ، لا بذكائه وفهمه وعبقريته كما يظن عوام الجهال .


وعلم الحديث الشريف هو هذا الطريق الشاق الغير مذلل ، وهو نعمة الله سبحانه وتعالي التي يمن بها علي من يشاء من عباده ، فله الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه علي ما أنعم به علي عباده الضعفاء المساكين من غير حول منهم ولا قوة ولا سابقة فضل ، لكنه فضل الله يؤتيه من يشاء ،

” ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم “

” والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم “

أسأل الله سبحانه وتعالي أن يمن علينا وأن يلحقنا بأهل الحديث علي خير ، من غير فتنة ولا بدعة ، آمين .

وعلم الحديث الشريف لا يستغني عنه إلا من سفه نفسه ، ولا يبخسه قدره إلا الضعيف العقل من الرجال ، الغر الغرير !!


كيف لا ؟

وهو السبيل الموصل إلي الرجل الذي أوكل الله إليه مهمة البلاغ ، ومهمة البيان ، ومهمة التيسير ؟؟


فكل من لم يسلك درب الحديث إنما هو في الحقيقة باحث عن واحدة من هذه الثلاث عند غير محمد صلي الله عليه وسلم ،

وكفي بهذه من حماقة وِضعة في العقل .


فالبلاغ مهمته صلي الله عليه وسلم وحده ، قال تعالي :

” يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته “

وهذه عند كل مؤمن ليس لها إلا نتيجة واحدة ، ودلالة واحدة ، وهي أن كل ما أراد الله سبحانه وتعالي أن يأمر به عباده ، أو أراد سبحانه وتعالي أن ينهي عنه عباده ، من لدن بعثة محمد صلي الله عليه وسلم إلي قيام الساعة ، هذا كله قد بلغه النبي صلي الله عليه وسلم إلي الناس ، ولم يُخف منه شيئاً .


وكذا البيان ، مهمته وحده صلي الله عليه وسلم ، لم يدع مجالاً لما يحبه هذا ، أو يرضاه ذاك ، قال الله سبحانه وتعالي :

” وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهديً ورحمة ً لقوم يؤمنون ” ،


وقال سبحانه وتعالي :

” وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ” .

وهذه كأختها ، لا تدع في عقل مؤمن مجالاً لأن يظن أن بيان الدين عند هذا المذهب أو ذاك ، أو في رأي هذا أو ذاك .


ومهمة التيسير هي أيضاً مهمته صلي الله عليه وسلم ، لا غيره ، قال الله سبحانه وتعالي :

” فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لُداً “.

فكان أن البلاغ والبيان والتيسير هي مهمة محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ولا دخل لغيره فيها بإتمام أو تعديل أو تحديث أو تجديد .


ومن هنا كانت أهمية علوم الحديث الشريف ، وإنما اكتسب هذه المكانة الرفيعة من صاحب الحديث ومكانته وأهميته ودوره صلي الله عليه وسلم .

وعلم الحديث طرأ عليه كجزء من الدين الإسلامي ما طرأ علي الكل من تغيير وتبديل ، فالنص محفوظ كما وعد الله سبحانه وتعالي ، لكن ما حدث هو ما فعله الذين من قبلنا ، أي تحريف الكلم عن مواضعه .


كيف لا يحدث ويكون وقد بَشَرَ بوقوعه الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوي ؟؟


عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ) ، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ ، قال : ( فمن ) .


فماذا فعل هؤلاء ؟؟



وعلم الحديث أيضاً محفوظ في بطون كتب المتقدمين ، وتحريف كلامهم في كتب المتأخرين وعقولهم بعد أن صار هذا التحريف مدوناً في الكتب ، وصار الكل ينظر إلي هذا التحريف علي أنه هو علوم الحديث التي سار عليها المتقدمون من الجهابذة .


فصار طالب العلم يترك كلام أبي حاتم وأبي زرعة في الرجل ، ويتعلق بقول ابن حجر .

ويترك تعليل عليّ بن المديني والدارقطني للحديث ، ويحتج بتصحيح الألباني !!


وهكذا … ،

وينسي هذا الطالب أن هؤلاء الذين أعرض عن كلامهم ، وترك النظر في كتبهم لقول متأخر هم أهل الاصطلاح ، وهم الذين وضعوا قواعد هذا العلم وأصلوها .


ولولا هؤلاء لما كان لأحد من المتأخرين علم ولا ذِكر .


والنقطة التي سوف أجعل هذا البحث موضوعاً لها هي :

تقسيم أهل الجرح والتعديل إلي ثلاث أقسام ( متشددين ومتوسطين ومتساهلين ) .


وكنت قد تعرضت لهذه النقطة بشيء من الإيجاز في بحثي : الحديث الحسن بين الحد والحجية ، ولم أشأ أن أطيل هذا البحث هناك ، لأنه كان بحثاً فرعياً هناك .

ولهذا قررت أن أفرده في بحث مستقل ، مع مراعاة عدم التطويل فيه .


أسأل الله سبحانه وتعالي أن يجعله خالصاً لوجهه ، وأن ينفع به في الدارين ، أمين .


اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد كما صليت علي آل إبراهيم ، اللهم بارك علي محمد وعلي آل محمد كما باركت علي آل إبراهيم .


تقديم للبحث


من المعلوم لكل من دارس كتب المتقدمين في علم نقد الرجال ألا وهو علم الجرح والتعديل أن الرواة منقسمون إلي ثلاث أقسام :

ـ قسم متفق علي الاحتجاج بهم في الرواية .


ـ قسم متفق علي عدم الاحتجاج بهم في الرواية .


ـ قسم مختلف فيهم بين النقاد ، فالبعض يجعلهم في مرتبة الاحتجاج ، والبعض الآخر يخرجهم من منزلة الاحتجاج .


ـ فالقسم الأول : هم الذين اتفق أهل العلم بالحديث علي الاحتجاج بهم ، ولم يختلفوا فيهم جرحاً وتعديلاً ، بل كلهم علي كون هؤلاء ثقات أثبات عدول حجج ، ولم يطعن فيهم واحد ممن يعتد بقوله في الرجال ، وهؤلاء علي درجات متفاوتة من الحفظ والعلم ، ومنهم علي سبيل المثال : شعبة بن الحجاج ، وسفيان الثوري ، ومحمد بن مسلم الزهري ، ومالك بن أنس ، ومحمد بن سيرين ، وعبيد الله بن عمر العمري ، وسليمان بن مهران الأعمش ( إلا ما لم يُصرح فيه بسماع من شيخه ) ، وغيرهم من الثقات الأثبات .

وهؤلاء لا خلاف في كونهم حجة بين نقاد الحديث الشريف علي مر الدهور .


ـ والقسم الثاني : يشمل كل راوٍ اتفق كل المتقدمون علي ترك الرواية عنهم ، منهم الضعيف ، أو شديد الضعف ، أو متروك أو متهم ، أو غير هؤلاء ممن اتفق النقاد علي عدم الرواية عنهم أو قبول حديثهم مطلقاً .


ـ والقسم الثالث : هم الذين اختلف فيهم أهل الجرح والتعديل فيهم فمنهم من يقبل حديثهم مطلقاً أو في أبواب بعينها ومنهم من لا يقبل حديثهم  .


وهؤلاء كفليح بن سليمان ، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني ، ومحمد بن إسحاق ، وعكرمة مولي بن عباس رضي الله عنه ، وغيرهم من رواة الحديث الشريف ،


وهؤلاء وإن كان يتم حسم أمر الاحتجاج بهم عن طريق جمع مروياتهم والنظر فيها ، إلا أن الشاهد هاهنا أن النقاد المتقدمون رحمهم الله تعالي ظهر لهم منهم وخفي عليهم ، كل ناقد علي قدر ما بلغه من مروياتهم ، ولذا اختلفوا في الحكم عليهم جرحاً وتعديلاً .


والقسم الثالث هذا هو الذي أخرج لعالم الحديث هذه التقسيمة المشهورة والتي قسموا بها أهل النقد إلي ثلاث مراتب :


1) ـ متشددين متعنتين : ومنهم يحيي بن سعيد القطان ، ويحيي بن معين ، وأبو حاتم الرازي ، والنسائى ، والجوزجاني ، والعقيلي ، وابن حبان .


2) ـ متوسطين : ومنهم أحمد ، والبخاري ، ومسلم .


3) ـ متساهلين : ومنهم العجلي ، وابن سعد ( ومنهم من يصنف ابن حبان من المتساهلين أيضاً ) .


وهذه القسمة المذكورة إنما بُنِيَت علي الاستقراء ممن قررها ودونها .

وبعدها صارت هذه القسمة قاعدة حديثية مدونة في كتب المشتغلين بالحديث ، ويتعاطاها مدعو العلم علي أنها من التراث الذي تركه السلف الصالح !!

والسلف الصالح الذين هم أهل الحديث المتقدمون _ لا غيرهم _ من هذه القواعد والتقسيمات براء !!

وهذه القسمة المذكورة فيها نظر شديد عندي ، وسوف يظهر خلاف هذا في المبحث القادم إن شاء الله .



– نماذج من أقوال المتأخرين حول هذه القسمة


في هذا المبحث القصير سوف أقوم بإيراد عدد من أقوال أهل العلم بالحديث من المتأخرين ، والتي يستدلون بها علي أن هذا الناقد أو ذاك ينتمي إلي هذه الطائفة أو تلك من حيث التشدد والتوسط والتساهل في نقد الرجال .


قال صاحب فتح المغيث ج:3 ص:358 :


وقد قسم الذهبي من تكلم في الرجال أقساماً ،

_ فقسم تكلموا في سائر الرواة كابن معين وأبي حاتم ،

_ وقسم تكلموا في كثير من الرواة كمالك وشعبة ،

_ وقسم تكلموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينة والشافعي .


قال :

وهم الكل على ثلاثة أقسام أيضاً :

_ قسم منهم متعنت في التوثيق متثبت في التعديل يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث ، فهذا إذا وثق شخصاً فعض على قوله بنواجذك وتمسك بتوثيقه ،

وإذا ضعف رجال فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه فإن وافقه ولم يوثق ذاك الرجل أحد من الحذاق فهو ضعيف ، وإن وثقه أحد فهذا هو الذي قالوا لا يقبل فيه الجرح إلا مفسراً ( انتهي مختصراً ) .


أقول :

وهنا كما هو واضح فإن الذهبي رحمه الله يصف نوعاً من نقاد رواة الحديث الشريف بالتعنت ، وينصح كل طالب لهذا العلم بأن يدع قول هذا المتعنت إن لم يوافقه عليه غيره من الذين سيصفهم بعد ذلك بأنهم من المعتدلين .

وأيسر ما يُرَدُ به كلام الذهبي رحمه الله تعالي أن يسأله مخالفه : هل كل نقد من ناقد هو عندك في قسم المتشددين ولم يوافقه فيه غيره ممن تسميهم متوسطين أو متساهلين لابد وأن يكون هذا المتشدد عندك قد أخطأ أو تعنت فيه ، أم يُحتمل العكس ؟؟


والشاهد هاهنا هو ثبوت قسمة النقاد المتقدمين إلي متشددين ومتوسطين ومتساهلين عند المتأخرين .


وقال صاحب تحفة الأحوذي ج2/ص141

285 ـ قوله هذا حديث غريب تفرد به كامل أبو العلاء ، ولم يحكم عليه الترمذي بشيء من الصحة والضعف ، ورواه الحاكم وصححه ، وسكت عنه أبو داود ، وقال المنذري في تلخيص السنن : وأخرجه الترمذي وبن ماجه ونقل قول الترمذي هذا حديث غريب إلخ ، ثم قال : وكامل هو أبو العلاء ويقال أبو عبيد الله كامل بن العلاء التميمي السعدي الكوفي وثقه يحيى بن معين وتكلم فيه غيره ، انتهى كلام المنذري .

قلت وقال بن عدي لم أر للمتقدمين فيه كلاماً وفي بعض رواياته أشياء أنكرتها ومع هذا أرجو أنه لا بأس به ، وقال النسائي ليس بالقوي ، وقال مرة ليس به بأس .

وقال ابن حبان : كان ممن يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل كذا في الميزان وغيره من كتب الرجال .


فقول النسائي ليس بالقوي جرح مبهم ثم هو معارض بقوله ليس به بأس .

وأما قول ابن حبان كان ممن يقلب الأسانيد إلخ غير قادح فإنه متعنت ومسرف كما تقرر في مقره فحديثه هذا إن لم يكن صحيحاً فلا ينزل عن درجة الحسن والله تعالى أعلم .


أقول:

أما قوله : قول النسائي ليس بالقوي جرح مبهم ثم هو معارض بقوله ليس به بأس ، فليس بالقوي ليست كلمة جرح مبهم كما قال ، وإنما تعني عند من اهتم بدراسة كتب المتقدمين وعلم أنهم لا يطلقون الأحكام خبط عشواء ، هذه الكلمة تعني أن هذا الراوي لا يحتج بحديثه الذي لا يتابع عليه من الثقات وأن له أخطاء عدها عليه هذا الناقد الذي وصفه بهذا الوصف ، وقوله : ليس به بأس هو نفس المعني تماماً ، ومعناه أن هذا الراوي يكتب حديثه ولا يُطرح ، أما الاحتجاج به فلا .



وأما قوله :

وأما قول ابن حبان كان ممن يقلب الأسانيد إلخ ، غير قادح فإنه متعنت ومسرف كما تقرر في مقره فحديثه هذا إن لم يكن صحيحاً فلا ينزل عن درجة الحسن والله تعالى أعلم .

فإن كان هذا ليس جرحاً مفسراً ، فما هو الجرح المفسر إذن ؟؟


وناقد كابن حبان جمع حديث هذا الراوي وقارنه بحديث غيره من الرواة الثقات ، ثم حكم عليه بأنه يقلب الأسانيد ، فهل يُعدُ هذا تشدداً ؟؟


ونسأل : هل حكم عليه ابن حبان رحمه الله تعالي هذا الحكم بأنه يقلب الأسانيد لأن اسم هذا الراوي لا يعجبه مثلاً ؟؟

والشاهد هاهنا هو ثبوت قسمة النقاد المتقدمين إلي متشددين ومتوسطين ومتساهلين عند المتأخرين .


وقال أيضاً في تحفة الأحوذي ج1/ص405 :

أن قول أحمد في رجل روى مناكير لا يستلزم ضعفه ، فقد قال في محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي في حديثه شيء يروي أحاديث مناكير ، وقد احتج به الجماعة ، وكذا قال في بريد بن عبد الله بن أبي بردة : روى مناكير ، وقد احتج به الأئمة كلهم كذا في مقدمة فتح الباري .

وأما قول يحيى القطان ترك حديثه بآخره فغير قادح فإنه متعنت جداً في الرجال كما صرح به الذهبي في الميزان في ترجمة سفيان بن عيينة .


وقال الحافظ الزيلعي في نصب الراية ص : 437 ج1 في توثيق معاوية بن صالح : احتج به مسلم في صحيحه وكون يحيى بن سعيد لا يرضاه غير قادح ، فإن يحيى شرطه شديد في الرجال . انتهى .


أما قول أبي حاتم لا يحتج به من غير بيان السبب فغير قادح أيضاً ، قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية في توثيق معاوية بن صالح : وقول أبي حاتم لا يحتج به غير قادح فإنه لم يذكر السبب ، وقد تكررت هذه اللفظة منه في رجال كثيرين من أصحاب الصحيح الثقات الأثبات من غير بيان السبب كخالد الحذاء وغيره . انتهى كلام الزيلعي .


وأما قول النسائي ليس بالقوي فغير قادح أيضاً فإنه مجمل مع أنه متعنت وتعنته مشهور ، فالحق أن أسامة بن زيد الليثي ثقة صالح للاحتجاج وزيادته المذكورة مقبولة كما صرح به الحافظ الحازمي .


أقول :

والحاصل هاهنا من غير حتي أن ننظر لإسم هذا الراوي أن أحمد والنسائي وأبو حاتم ويحيي بن سعيد القطان تكلموا فيه ، والذي رد علي هؤلاء الجبال الأفذاذ هم الذهبي والزيلعي والحازمي .


أليس من العجيب أن يدخل أحمد بن حنبل في زمرة المتشددين هؤلاء ويصف هذا الراوي بأن له مناكير ؟؟


والشاهد هاهنا هو ثبوت قسمة النقاد المتقدمين إلي متشددين ومتوسطين ومتساهلين عند المتأخرين .


الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم للذهبي ج1/ص 112 :

45 ـ عباد بن عباد المهلبي وثقوه وحديثه في الكتب وقال أبو حاتم : لا يحتج به ، قلت : أبو حاتم متعنت في الرجال .


أقول :

والشاهد هاهنا هو ثبوت قسمة النقاد المتقدمين إلي متشددين ومتوسطين ومتساهلين عند المتأخرين .


سير أعلام النبلاء ج13/ص260 :

إذا وثق أبو حاتم رجلاً فتمسك بقوله ، فإنه لا يوثق إلا رجلاً صحيح الحديث ، وإذا لين رجلاً أو قال فيه لا يحتج به فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه ، فإن وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم ، فإنه متعنت في الرجال ، قد قال في طائفة من رجال الصحاح ليس بحجة ليس بقوي أو نحو ذلك .


أقول :

( فإن وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم ، فإنه متعنت في الرجال ) ، هكذا بكل يسر ؟؟؟!!


والشاهد هاهنا هو ثبوت قسمة النقاد المتقدمين إلي متشددين ومتوسطين ومتساهلين عند المتأخرين .


سير أعلام النبلاء ج15/ص18

وابن جوصا إمام حافظ له غلط كغيره في الإسناد لا في المتن وما يضعفه بمثل ذلك إلا متعنت .


أقول :

والشاهد هاهنا هو ثبوت قسمة النقاد المتقدمين إلي متشددين ومتوسطين ومتساهلين عند المتأخرين .


فهذه الشواهد ومئات غيرها في كتب المتأخرين لا تدع مجالاً للشك أن المتأخرين عامتهم علي هذه القسمة .



– نظرة في أقوال نقاد الحديث


في هذا المبحث سنقوم باستعراض نماذج من أقوال أهل النقد في عدد من الرجال جرحاً وتعديلاً ونربط بين التقسيمة السابقة الذكر وبين تلك الأقوال .


ـ محمد بن إسحاق بن يسار:


ـ أحوال الرجال للجوزجاني ج1/ص136 :


230 ـ محمد بن إسحاق : الناس يشتهون حديثه وكان يرمى بغير نوع من البدع .


أقول :

فالجوزجاني عندهم متشدد ، فمن المنطقي أن يتكلم في من يستاهل النقد ومن لا يستاهل !!!


ـ الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج1/ص152 :

68 ـ محمد بن إسحاق : حدثنا عبد الرحمن نا أبى إبراهيم بن المنذر الحزامى وإبراهيم بن مهدى قالا : سمعنا إسماعيل بن علية قال : سمعت شعبة يقول : محمد بن إسحاق صدوق في الحديث ،


حدثنا عبد الرحمن نا أبى نا عبيد بن يعيش قال : سمعت يونس بن بكير يذكر عن شعبة قال : محمد بن إسحاق أمير المحدثين .


حدثنا عبد الرحمن نا أبى نا مجاهد بن موسى نا يحيى بن آدم نا أبو شهاب قال : قال لي شعبة : عليك بمحمد بن إسحاق واكتم على عند البصريين .


حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن محمد بن رجاء بن السندي ثنا إسحاق بن إبراهيم يعنى بن راهويه نا يحيى بن آدم قال : نا أبو شهاب الحناط قال : قال لي شعبة : عليك بمحمد بن إسحاق والحجاج بن أرطاة واكتم على في البصريين في هشام بن حسان وخالد الحذاء .


حدثنا عبد الرحمن نا أبى قال سمعت النفيلي يقول عن عبد الله قال : قال شعبة : إن كان أحد يستأهل أن يسود في الحديث فمحمد بن إسحاق .


أقول :

وشعبة هذا هو رأس المتشددين عند أصحاب هذه القسمة التي عليها جمهور المتأخرين ، وهاهوذا شعبة يصف محمداً بن إسحاق بأنه أمير المؤمنين في الحديث ، وليس مجرد ثقة من الثقات !!!


فلماذا ناقض شعبة نفسه وتساهل هاهنا ؟؟ ، والتشدد سجيته وطبيعته كما يجزم جمهور المتأخرين ؟؟


نا عبد الرحمن نا صالح بن احمد نا على يعنى بن المديني قال : قلت لسفيان : كان بن إسحاق جالس فاطمة بنت المنذر ؟ فقال سفيان : أخبرني بن إسحاق أنها حدثته وأنه دخل عليها .

نا عبد الرحمن نا أبى حدثني مقاتل بن محمد الرازي عن أبى داود يعنى الطيالسي قال : نا عمر بن حبيب قال : قلت لهشام بن عروة : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : ذاك كذاب .


نا عبد الرحمن قال نا إسماعيل بن أبى الحارث نا أحمد بن محمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد يعنى القطان قال : قال هشام بن عروة : هو كان يدخل على امرأتي ؟؟!! يعنى محمد بن إسحاق كالمنكر .


أقول :

وهذا سند صحيح إلي هشام بن عروة يتهم فيه محمد بن إسحاق الذي هو أمير المؤمنين في الحديث عند شعبة بالكذب !!


وهشام بن عروة ليس من المتعنتين فيما أعلم ، وسبب اتهامه لمحمد بن إسحاق بالكذب أن محمداً يُحدِثُ عن فاطمة بنت المنذر زوج هشام بن عروة ويدعي أنه دخل عليها وسمع منها ، وهذا ثابت بالسند الصحيح الذي سبق قبل عشرة أسطر لا غير .


وبغض النظر عن ما قيل في تبرير ادعاء محمد بن إسحاق أنه سمع من فاطمة بنت المنذر والرد علي هذه التبريرات ، فلا أعلم راوٍ واحد يروي عن فاطمة بنت المنذر بسند صحيح غير هشام بن عروة !!


وفي تفرد ابن إسحاق عنها بأسانيد صحاح تُثبت ما ادعاه من أنه سمع من فاطمة بنت المنذر بقوله : حدثتني فاطمة بنت المنذر ، دليل عند من تدبر علي صحة قول هشام بن عروة ومن تبعه علي قوله .


خاصة أنها لو خرجت وحدثت في المسجد كما قيل لسمعها غير محمد بن إسحاق وهذا ما لم يحدث .


نا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل نا على يعنى بن المديني قال : سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول : قلت لهشام بن عروة : إن بن إسحاق يحدث عن فاطمة بنت المنذر ؟!! ، فقال : أهو كان يصل إليها ؟!! ، فقلت ليحيى : كان محمد بن إسحاق بالكوفة وأنت بها ؟ ، قال : نعم ، قلت : تركته متعمداً ؟؟ ، قال : نعم تركته متعمداً ولم اكتب عنه حديثاً قط .


نا عبد الرحمن نا أبى قال : سمعت أبا حفص الفلاس قال : كنا عند وهب بن جرير فانصرفنا من عنده فمررنا بيحيى بن سعيد القطان فقال : أين كنتم ؟؟ ، قلنا : كنا عند وهب بن جرير يعنى يقرأ علينا كتاب المغازي عن أبيه عن بن إسحاق ، قال : تنصرفون من عنده بكذب كثير .

أقول :

فيحيي القطان رضي الله عنه هاهنا هل ترك محمد بن إسحاق لأنه أخطأ في رواية أو اثنتين أو ثلاثة ؟؟


هم يقولون : فلان متشدد يغمز الراوي بالخطأ والخطأين ، وشعبة ويحيي القطان مدرسة واحدة .

فلم اختلفوا هاهنا ؟؟


بيسر شديد لأنهم لم تكن عندهم تلك القواعد المقيتة ولا هذه التقسيمات البغيضة ، بل كان كل منهم يجتهد في الرواي قدر طاقته وعلمه وحفظه وما بلغه عنه ، فأصابوا كثيراً ، وجانبهم الصواب أحياناً ، رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين .


نا عبد الرحمن نا أبو سعيد نا بن إدريس قال : قلت لمالك بن أنس وذكر المغازي فقلت : قال بن إسحاق أنا بيطارها ، فقال : قال لك أنا بيطارها ؟؟! ، نحن نفيناه عن المدينة .


نا عبد الرحمن نا مسلم بن الحجاج النيسابوري قال : حدثني إسحاق بن راهويه قال : نا يحيى بن آدم قال : نا بن إدريس قال : كنت عن مالك بن أنس وقال له رجل : يا أبا عبد الله إنى كنت بالري عند أبى عبيد الله وثم محمد بن إسحاق فقال محمد بن إسحاق : اعرضوا على علم مالك فإنى أنا بيطاره ، فقال مالك : دجال من الدجاجلة يقول اعرضوا على علمي !!


أقول :

ومالك هاهنا يحمل أشد الحمل علي محمد بن إسحاق ، ومالك ليس عندهم من المتعنتين !!


ومن ادعي أن قول مالك هذا غيرة من محمد بن إسحاق كما زعم بعض المتأخرين ، أو هو كلام الأقران في بعضهم ، فليأتنا بكلام مالك في أقرانه الذين عاصروه وكانوا أكثر حفظاً وعلماً من محمد بن إسحاق إن كان من الصادقين .


وإلا سنسأل بدورنا : ما الذي جعل مالك يختص محمد بن إسحاق بهذا النقد اللاذع من دون كل أقرانه ومن عاصروه من أهل الحديث بالمدينة ؟؟


ثنا عبد الرحمن نا أبى حدثني مقاتل بن محمد الرازي حدثنا أبو داود نا حماد بن سلمة قال : لولا الاضطرار ما حدثت عن محمد بن إسحاق .

أقول :

وحماد بن سلمة ليس من المتعنتين !!


نا عبد الرحمن قال : قرئ على العباس بن محمد الدوري قال : سئل يحيى بن معين عن محمد بن إسحاق أحب إليك أو موسى بن عبيدة ؟؟ ، فقال : محمد بن إسحاق ، محمد بن إسحاق صدوق ولكنه ليس بحجة .


نا عبد الرحمن نا محمد بن هارون الفلاس المخرمي قال سألت يحيى بن معين عن محمد بن إسحاق فقال ما أحب أن احتج به في الفرائض .


نا عبد الرحمن انا أبو بكر بن أبى خيثمة فيما كتب إلىَّ قال : سمعت يحيى بن معين وقيل له : أيما أحب إليك موسى بن عبيدة الربذي أو محمد بن إسحاق ؟ ، فقال : محمد بن إسحاق ، قال وسمعت يحيى يقول : لم يزل الناس يتقون حديث محمد بن إسحاق ، وسمعته مرة أخرى يقول : ليس بذاك هو ضعيف .


أقول :

يحيي بن معين عند أصحاب هذه التقسيمة من طبقة المتشددين ، ومع هذا لم يتشدد هاهنا ، والتشدد أن يقول مثلاً : متروك ، أو كذاب ، خاصة وأن هناك من سبقه إلي اتهام محمد بن إسحاق بالكذب ، وإنما اكتفي بقوله : ليس بذاك ، أو هو ضعيف ، أو ما أحب أن أحتج به في الفرائض .



نا عبد الرحمن قال : سمعت أبى يقول : محمد بن إسحاق ليس عندي في الحديث بالقوي ، ضعيف الحديث ، وهو أحب إلىَّ من أفلح بن سعيد ، يكتب حديثه .


نا عبد الرحمن قال : سئل أبى عن محمد بن إسحاق ؟ ، فقال : يكتب حديثه .

أقول :

وأبو حاتم المتعنت كما يصنفونه لم يتهم محمداً بن إسحاق بالكذب ، ولم يتهمه بسرقة الحديث ، بل قال : يُكتب حديثه .


أما من كذبه أو اتهمه بسرقة الحديث فهذا معناه طرح حديثه كله عنده ، ( لمزيد من التفصيل في الفرق بين الكتابة والاحتجاج والألفاظ المستخدمة في كل منهما راجع : الحديث الحسن بين الحد والحجية مبحث تحقيق معني لفظة الحسن عند المتقدمين ، ومبحث نماذج من الاصطلاحات المستخدمة عند المتقدمين ) .


فأبو حاتم الرازي هاهنا متوسط ليس بمتعنت !!


نا عبد الرحمن نا عباس بن محمد الدوري قال : سمعت أحمد بن حنبل وذكر محمد بن إسحاق فقال : أما في المغازي وأشباهه فيكتب وأما في الحلال والحرام فيحتاج إلى مثل هذا ومد يده وضم أصابعه .


نا عبد الرحمن انا على بن أبى طاهر فيما كتب إلىَّ قال : نا الأثرم قال : قلت لأبي عبد الله : ما تقول في محمد بن إسحاق ؟ ، قال : هو كثير التدليس جداً ، فكان أحسن حديثه عندي ما قال : أخبرني وسمعت .


سؤالات أبي داود ج1/ص214 :


سمعت أحمد ذكر محمد بن إسحاق فقال : كان رجلاً يشتهي الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه .


سمعت أحمد قيل له : حدث ابن إسحاق نا نافع عن ابن عمر يزكى عن العبد النصراني ، فقال : هذا أشر على ابن إسحاق .


أقول :

وأحمد بن حنبل هاهنا يتهم ابن إسحاق بسرقة الحديث ، وأحمد من المتوسطين المعتدلين كما يصنفونه ، وقوله : هذا أشر علي ابن إسحاق فيه اتهام له .


الضعفاء والمتروكين للنسائي ج1/ص90 :


513 محمد بن إسحاق ليس بالقوي .


أقول :

والنسائي المتعنت عندهم هاهنا من المتوسطين ، لم يتهم محمداً بن إسحاق بالكذب ولا بسرقة الحديث ، وإنما قال : ليس بالقوي !!


ولو جعلنا محمداً بن إسحاق معياراً لقياس حال نقاد الحديث من حيث التعنت والتوسط والتساهل ، لرأينا خلاف ما يدعيه أصحاب هذه القسمة ، ولكان مالكاً من المتعنتين ورفيقه في هذه الطبقة هو هشام بن عروة ، وكذا يحيي بن سعيد القطان ، ومعهم الجوزجاني !!


ولصار يحيي بن معين من المعتدلين المتوسطين ، وبرفقته النسائي وأبو حاتم الرازي وأحمد بن حنبل !!!


وأحمد بن حنبل مثلاً قد تكلم في الكثيرين من رجال الصحيح وضعفهم ، ووصف العديد منهم بأن له مناكير ، أو يروي أحاديث منكرة :


ومن هذا قول أحمد في محمد بن إبراهيم التيمي ،

وكذا قوله في بريد بن عبد الله بن أبي بردة ،

والأوزاعي من رجال الصحيح ، وقد تكلم فيه أحمد ،

وخالد بن مخلد القطواني من رجال الصحيح وقد تكلم فيه أحمد ،

وعبد الرحمان بن أبي الموالي من رجال الصحيح وقد تكلم فيه أحمد .

فكلام أحمد في هؤلاء ألا يجعله من المتعنتين ؟؟!!

فإذا بلغكم جرح أحمد لأحد رواة الحديث فقولوا : أحمد تعنته معروف ، فقد تكلم في محمد بن إبراهيم التيمي وبريد بن عبد الله بن أبي بردة ، والأوزاعي ، وخالد بن مخلد القطواني ، وعبد الرحمان بن أبي الموالي ، وغيرهم من رجال الصحيح !!!


وهكذا وبتكرار الأمر مع كل ناقد من نقاد الرجال يسقط علم الجرح والتعديل ويتهاوي !!


ويضيع علم الحديث بين عقول جهابذة المتأخرين ، الذين هم عند كل مقلد أفهم لكلام المتقدمين من غيرهم !!!


ولا تظن أن هذه الحالة _ أعني محمداً بن إسحاق _ حالة فردية لا تتكرر ، بل اختلاف أهل النقد للرجال اختلافهم أشهر من أن نؤكد وجوده ، بل ربما يختلف قول الواحد منهم في نفس الرجل علي قولين أو أكثر حسبما يظهر للناقد من حال هذا الراوي في حينه .


فوصف فلان بأنه متشدد فلا يقبل جرحه إذا لم يوافقه غيره ،

أو أن فلاناً متوسط فيقبل جرحه وتوثيقه وإن انفرد ،

أو أن فلاناً من المتساهلين فلا يُعتد بتوثيقه ،

هذا الوصف أو ذاك أمر نسبي ، وكما تعلمنا من شيوخنا الأفاضل أن هذا الناقد نفسه الذي تخلع عليه وصفاً من هذه الأوصاف حال تفقدك قوله في راوٍ بعينه ، ربما خلعت عليه ضده من الأوصاف إذا رأيت قوله في غيره !!


وإذا نظرت إلي راوٍ آخر كجابر بن يزيد الجعفي مثلاً ، ستجد أن شعبة وسفيان تساهلا جداً فيه ، وكذا وكيع !!


وستجد أن أبا حاتم توسط في جابر ، فقال : يُكتب حديثه !!


وستجد أن يحيي بن سعيد القطان والنسائي وابن حبان وابن مهدي قد تشددوا مع جابر !!


وهكذا ، ومع تكرار البحث في الرواة كقيس بن الربيع ، وداود بن فراهيج ، وواصل بن عبد الرحمان ، ومحمد بن ذكوان ، وغيرهم ستجد أن شعبة المتعنت المتشدد يتساهل !!


وإذا انتقينا مجموعة أخري من الرواة ونظرنا فيهم سنجد أن الذي تساهل أو توسط هذه المرة هو أبو حاتم الرازي مثلاً .


فإذا نظرنا إلي مجموعة ثالثة سنجد أن البخاري رحمه الله تعالي ورضي عنه يتشدد !!

وهكذا ليس هناك تصنيف ثابت لأي من نقاد الحديث الشريف من ناحية التشدد والتساهل في نقد الرواة ، بل كل منهم يحكم بما ظهر وبدا له من الراوي .


وسأتبع هذا المبحث بمبحث آخر أنقله حرفياً من رسالتي ( الحديث الحسن بين الحد والحجية ) ، وهو مبحث : ( كيف تُضعف الرواة وتُوثق ) ، وسبب إيرادي لهذا المبحث هاهنا أن يتضح للقارىء الفاضل كيف تكلم هؤلاء الأفذاذ بهذه الأحكام علي الرجال ؟؟



مبحث في : كيف تضعف الرواة وتوثق ؟؟


هذا المبحث العظيم من أهم مباحث علم الحديث ، لأنه يبنى عليه علم الجرح والتعديل ، والتوثيق والضعيف ، وعلل الحديث .


وهذا العلم الشريف لا تستطيع فصل جزئياته أو علومه عن بعضها البعض ، فهي متداخلة إلي درجة التواصل والتلاحم في بعض الأحيان !!


ولقد ظن بعض الناس الذي يقدسون أقوال الرجال ولا يجاوزونها ، ولا يبحثون عن الأدلة التي تؤيد كل قول ، أن أتباع أحمد والبخاري وأبي زرعة مثلاً في توثيق رجل أو تضعيفه ، هو اتباع لأقوال هؤلاء العلماء الأفذاذ من غير دليل .


فقالوا لنا : ترفضون أقوال الفقهاء الكبار وأصحاب المذاهب المشهورة المتبوعة إن لم يكن عليها دليل ؟


وأنتم تتركون الرجل لمجرد قول أبي حاتم : لا يحتج به !!

وتحتجون بحديث آخر لمجرد قول سفيان : ثقة ثقة !!

وتجعلون حديث رجل ثالث للشواهد والمتابعات لمجرد قول أحمد : تعرف من حديثه وتنكر .


أليس هذا اتباعاً بغير دليل ؟؟!

نقول لهم : لا قطعاً ، ليس الأمر كما تظنون ، فما من كلمة تضعيف أو توثيق أطلقها رجل من هؤلاء الجهابذة الأفذاذ إلا ولها أدلة تحكم المسألة وتبين القول الفصل فيها .


نعم قد يحدث خلاف بين هؤلاء الجبال في توثيق رجل أو تضعيفه ، لأنهم بشر يصيبون ويخطئون ، وقد يعلم الواحد منهم ما لم يعلمه الآخر ، ولكن يبقي الحكم علي الرجل عند الرجوع إلي الأدلة واحداً .

فلا يمكن أن يكون حديث الرجل الواحد حجة وليس بحجة في نفس الوقت ، إلا لو كان الواقف هو القاعد ، والحار هو البارد !!


ومن أجل هذا البحث الهام ، ومن أجل أن توضع مسألة اتباع أهل الجرح والتعديل في نصابها الصحيح كتبنا هذا المبحث .


ونعود ونؤكد على عظم أهميته ومكانته علي ضعف علمنا وقصر المبحث ، والله الهادي إلى سواء السبيل .


كيف توثق الرواة وتضعف ؟ ، كيف يقال على الرجل : متروك ؟ ،

أو : لا يحتج بهذا الراوي ؟ ،

أو : هذا الراوي ثقة ؟

هل الأمر بالرأي ؟ ،

هل الأمر بالهوى ؟ ،

هل الأمر بالمعرفة الشخصية والعلاقات الفردية ؟ ،

هل الأمر بالنقل عن الشيوخ ؟


بالطبع الأمر غير ذلك ……


الأمر له طريقة علمية تجعل من تضعيف الرواة وتوثيقهم عملية متوارثة عبر أجيال هذه الأمة التي اختصها الله سبحانه بهذا العلم الشريف ، أمة محمد صلي الله عليه وسلم ،


وليست أمة : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ، فطالب الحديث إن علم طريقة الكلام في الرواة ، وكيف هي ، فله أن يتكلم في الرواة ولو بعد ألف عام !!!


ولكن هذا لا يعنى أن المتأخر يستطيع مخالفة المتقدمين علي الدوام ، فهذا ليس مقبولاً منه .

لأنهم في الأصل أهل العلم والحفظ والإتقان .


وما وصل إليه من مكانة في العلم إنما وصل إليها بفضل جهودهم وحفظهم وتدوينهم .


وإذا أخطأ واحد منهم أو عدة – أعني من المتقدمين- فلابد أن تجد في أقوال الباقين نقده ورده إلي الصواب .

ولا يعقل مثلاً أن يعل أحمد وعلي بن المديني والبخاري ومسلم وأبو حاتم حديثاً ويقولوا : ليس يثبت هذا الحديث، فيرد عليهم بعد أكثر من ألف عام عالم من علماء الأمة ويقول : بل يثبت !!!


وليس من العقل أو الحكمة أن يترك طالب الحق إعلال المتقدمين لحديث من الأحاديث ، ويقول صححه فلان في كتاب كذا أو كتاب كذا ، فلولا هؤلاء لما كان لفلان هذا وجود ولا إسم ولا ذكر ،


والواحد منهم في العلم يزن مليء الأرض من أي فلان تتخيله ، أو تعرف اسمه ، ولو كانت كتبه تملأ مكتبات الدنيا كلها ، بل لو كانت تملأ مساحة الدنيا نفسها كلها .


فلا يمكن مثلاً أن يقارن عاقل بين الشيخ الألباني وبين ابن حجر العسقلاني ، فضلاً عن أبي حاتم وأبي زرعة الرازيان .


وكذا لا يمكن أن نقارن بين الشيخ الفاضل المحدث مقبل بن هادي رحمه الله تعالي وعفا عنه ورفع درجته ، لا يمكن أن نقارن بينه وبين الذهبي مثلاً ، فضلاً عن البخاري وأحمد وابن المديني .


ولا أظن أن المهتمين بالعلم الشرعي يجهلون هذا ، فضلاً عن كل المشتغلين به .

أما كثير من أهل الديانة مع الجهل بالعلم الشرعي ، بل قل عامتهم ، فهم يقدمون تصحيح الشيخين مقبل أو الألباني  علي تضعيف أو تعليل الداراقطني مثلاً ، أو رد أحمد للحديث .


وقد قال الحاكم ما معناه وهو يتحدث عن الصحيحين :


إذا رأيت حديثاً ظاهره الصحة ولم يخرجاه ، فابحث له عن علة ، وهذا أظنه قاله في كتابه معرفة علوم الحديث فيما أذكر .


فإن قيل : إن الحاكم نفسه استدرك علي البخاري ومسلم آلاف الأحاديث في كتابه الموسوم بالمستدرك .


قلنا : كل مشتغل بالحديث يعلم أن الحاكم إنما بدأ في تصنيف المستدرك وهو في سن كبيرة ، وتواريخ إثبات السماعات لأجزاء المستدرك ثابتة علي صور المخطوطة ، وفي هذه السن كان قد طرأ عليه من التغير ما لا يخفي علي المنتسب للعلم ، لذا جاءت أحكامه علي الحديث متخبطة إلي حد كبير ، أما المتون فلم يطرأ عليها هذا الخلل لكونه يملي من أصوله التي كتبها حال يقظته وحفظه رحمه الله وعفا عنه .


والشاهد من هذا أن الحاكم مع كونه قريب العهد من الشيخين إلا أنه يعلم مقدار التباين الشديد في العلم بينهما وبين كل من سيأتي بعدهما إلي يوم القيامة .


ومن ادعي خلاف ذلك فليذكر لنا محدثاً واحداً من بعد الشيخين يساويهما في المنزلة ، والعلم ، والحفظ ، بل يدنو منهما !!



وهذا الذي نراه في الاختلاف في المنهجية بين المتقدمين والمتأخرين واضح جلي لكل من دارس كتبهم وخاض في بحر علومهم ، ونتج عن هذه الأخطاء التي وقع فيها المتأخرون في فهمهم لمناهج وأصول واصطلاحات المتقدمين – نتج عن هذا الخطأ في الفهم من العلماء المتأخرين أخطاء تراكمية علي مر عصور طوال من رجالات من كبار علماء الأمة ، هذه الأخطاء صار يُنظر إليها من قِبَل من تلاهم من طلاب العلم والذين أصبحوا من العلماء بعد ذلك علي أنها قواعد لهذا العلم الشريف وذلك بعد تدوينها في الكتب من عالم لآخر ومن جيل لآخر ، وعدم توجيه النقد لها من نقاد الحديث الذين كتبوا في هذه المسائل بعد ذلك ، ومن أقرب هذه الأمثلة كلام ابن الصلاح في تعريف الحديث الحسن وتقسيمه إلي شقين ، وكلام الذهبي رحمه الله في الموقظة علي قسم الحديث الحسن ، ومع اعترافه بأن هذا القسم ليس له ماهية محددة حتي لحظة كتابته لموقظته ، ومع كونه وجه نقداً لاذعاً لكل تعريف من هذه التعريفات أسقطه به ، إلا أنه يحتج به !!


وصارت مخالفة تلك القواعد المزعومة جريمة كبري ، وخيانة عظمى ، يرمي صاحبها بالبدعة وغيرها من الألفاظ التي استحدثت خصيصاً لهذه المعركة الشرسة !!


نعم معركة مستمرة إلي قيام الساعة بين أتباع الدليل وبين دعاة التقليد والخمول ، وهذه المعركة كانت في السابق بين أهل الحديث من جهة وبين أصحاب المذاهب والتقليد والرأي من جهة أخري ، ولكن مع اقتراب الساعة انقلبت الموازين ، وصارت المعركة بين أهل الحديث !!

فصار المنتسبون إلي الحديث ينكرون علي من يحاول التحاكم إلي الدليل ، بل ويحاربونه ، ويتجاوزون خلافتهم الحديثية والعقائدية ليتكتلوا ضد من يدعو إلي عدم التسليم لأي قول إلا بعد معرفة دليل صاحبه ، وصاروا مقلدين داخل مدرسة


المحدثين التي يفترض فيها أنها لا تدعو إلي تقليد أحد غير رسول الله صلي الله عليه وسلم !!!

فسلموا للحاكم رحمه الله استدراكاته علي البخاري ومسلم ،


وسلموا لابن حبان والعجلي وابن سعد توثيقهم للمجاهيل وقبول حديثهم ،

وسلموا لإمام الحرمين والغزالي وغيرهم من أهل الفلسفة والمنطق ما وضعوه من قواعد لهدم الإسلام ،

وسلموا لابن الصلاح تخطيئه لمن دون وكتب تعريف الحديث الحسن أول مرة ، وللخطابي من بعده ،


بل والأدهي والأمر أنهم سلموا للمتأخرين تصحيحهم للكثير من الأحاديث التي صرح المتقدمون بأنها معلولة في كتبهم !!


فإذا قلت لهم : قال البخاري في تاريخه الكبير : ولا نعلم سماعاً لعبد الله بن معبد الزماني من أبي قتادة مثلاً ، ولم يثبت لهذا الراوي سماعاً من شيخه أحداً من أهل العلم بأحوال الرواة .


قالوا لك : وهل الشيخ فلان لم يقرأ هذا القول قبل أن يصحح الحديث ؟؟!!


والصواب أن هذا السؤال يجب أن يوجه لهذا الفلان ، وليس للذي ينقل قول البخاري رحمه الله تعالي .


فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

فنفي البخاري رحمه الله لعلمه سماع هذا الراوي من الصحابي الجليل رضي الله عنه لا يُرَدُ إلا بإثبات قرين له في العلم ، أو بإسناد صحيح خالٍ من الشذوذ والعلة يصرح فيه هذا الراوي بالسماع عن شيخه ربما يكون غاب عن البخاري رضي الله عنه .


نعود إلي الكلام في توثيق الرواة وتضعيفهم ،


كيف يكون هذا ؟!!


الأمر كما قال شيخ العلل العالم بها ، وشيخ الإمام البخاري رحمهما الله تعالي ، علي بن المديني ، قال : الباب إذا لم تجمع طرقه لم تتبين علله .


فيا لها من مقولة عظيمة لمن عقلها ووعاها !!


فنقول : وكذا الراوي محل البحث إذا لم يجمع كل حديثه لم يتبين لنا هل هذا الراوي ثقة أم ضعيف .

وسنضرب راوياً كمثال لهذا الأمر ، ليظهر جلياً واضحاً بلا شبهات بإذن الله تعالى .


ونذكر طرفاً من أحاديثه التي أخذت عليه من قبل جهابذة النقد وبعض الأقوال فيه ليظهر الربط بينهما ، ويظهر كيف بني هؤلاء النقاد قولهم في هذا الراوي ، وما الرابط بين دراسة حديث الراوي ، وبين الحكم عليه جرحاً وتعديلاً ، والله المستعان .

والراوي الذي اخترناه ليكون مثالاً في بحثنا هذا هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني .


والرازيان ، أعني أبا حاتم وأبا زرعة ، هما اللذان سنربط نقدهما لأحاديثه بقولهما فيه جرحاً وتعديلاً :


ـ علل ابن أبي حاتم حديث 1460 :

قال ابن أبي حاتم رحمه الله : وسمعته يقول : روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه رأى على عمر ثوبا غسيلاً أو جديداً فقال : عشت حميداً . . . الحديث .


قال أبي : هذا حديث ليس له أصل من حديث الزهري !! ، ( أي بهذه الكيفية مسنداً مرفوعاً عن النبي صلي الله عليه وسلم ) .


قال أبي : ولم يرض عبد الرزاق حتى أتبع هذا بشيء أنكر من هذا فقال : حدثنا الثوري عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم مثله .


وليس لشيء من هذين أصل .


قال أبي : وإنما هو معمر عن الزهري مرسل أن النبي صلي الله عليه وسلم .

فهذا وهم من عبد الرزاق !!

والحاصل أن هذا الحديث يروى عن الزهري عن النبي صلي الله عليه وسلم بلا واسطة أي مرسل ، كيف علم أبو حاتم بهذا ؟


جمع روايات ثقات أصحاب الزهري عن الزهري رحمهم الله ، فوجدهم كلهم يروونه عن الزهري مرسلاً ، فعلم أن المخالفة من عبد الرزاق وليست من معمر لكثرة أوهامه التي جمعها أبو حاتم ، وتأكد عنده أن الحمل في هذا علي عبد الرزاق لما أتي بمتابعة عن سفيان الثوري لهذا الحديث ، والثوري حافظ كبير راسخ في العلم لا يستطاع حصر من أخذ عنه العلم إلا بصعوبة ، والرواة الأثبات عنه كثيرون وعلي رأسهم عبد الله بن المبارك رحمه الله ، وكل هؤلاء لم يرووا مثل هذا عن سفيان ، وتفرد به عبد الرزاق بن همام وحده عن الثوري رحمه الله ، وتفرده هنا علة .


وهذا دليل علي أنه أخطا في روايتيه هاتين :


أ ـ فوصله عبد الرزاق مرة والتزم فيه الجادة ، أي أن وهمه هنا هو وصل مرسل .


ب ـ ثم ركب سنداً آخر على نفس المتن من غير عمد ، فجاء بمتابع للزهري رحمه الله وهو عاصم بن عبيد الله ، وهذا وهم فاحش جداً .


وهنا أصبح للحديث طريقين : الأول مرسل ، والثاني متصل .

وبالتأكيد سنجد من يرقيها بتعدد الطرق !! إلى أين ؟ لا ندري .

وأبو حاتم حافظ عد هذا الوهم علي عبد الرزاق ، وهذه الأوهام التي يجمعها أبو حاتم الرازي هي التي ستحدد قوله في عبد الرزاق جرحاً وتعديلاً ، والحاصل أن كم الأخطاء ونوعيتها والتي سيكتشفها أبو حاتم في روايات عبد الرزاق ستـكون هي الفيصـل في كون حديثـه يحتج به ، أو يكتب ، أو لا يكتب إبتداءً .


ولمزيد بيان لهذا المثال نقول :


هذا الحديث له عند أبي حاتم ثلاث أوجه :

الوجه الأول :

وهو رواية عامة أصحاب الزهري عنه ، ومنهم معمر ، كلهم يروونه عن الزهري عن النبي عليه السلام مرسلاً ، وهذا هو الوجه الأول .


أما الوجه الثاني :

فهو من رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي عليه السلام .


والوجه الثالث :

من رواية عبد الرزاق أيضاً قال : حدثنا الثوري عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم مثله .


وهذه الأسانيد عند المتأخرين ترقي الحديث لدرجة الصحة بدون أدني شك ، خاصة الذين يقولون : أن من أخرج له البخاري ومسلم في الصحيح فقد جاز القنطرة !!


فالوجه الأول مرسل ، لكنه يتقوي برواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر ، ثم أن عاصماً تابع الزهري من رواية الثوري ، فبالجملة يكون الحديث صحيحاً وفي أقل الأحوال حسناً !!!


أليست هذه هي طريقة أصحاب السلاسل في التصحيح ؟؟!!


السؤال الآن : لماذا لم يقوم أبو حاتم بتقوية هذه الأوجه ببعضها كما يفعل عباقرة المتأخرين ويرقي الحديث ؟؟


خاصة وأنه ليس فيها من يتهم بكذب ؟ ، أو يكون مطعوناً في عدالته ؟


الإجابة بيسر شديد : لأن هذه الطرق لا وجود لها في الواقع ، لم تُروي أبداً ، إنما المكان الوحيد الذي رُويت فيه هذه الروايات هو عقل عبد الرزاق بن همام نفسه !!

وأكبر دليل علي هذا أن كل أصحاب الزهري لما رووا هذا الحديث رووه مرسلاً ،

أي الزهري عن النبي عليه السلام ، ليس فيه سالم رحمه الله ولا ابن عمر رضي الله عنه .


وكذا ابن المبارك وغيره من أصحاب الثوري الكبار الحفاظ لم يرووا مثل هذا عن الثوري رحمهم الله تعالي .


فهذه الروايات الموصولة ليس لها وجود إلا في عقل من رواها ، فلا تُقوي شيئاً ، ولا تُعل شيئاً ، بل كل رواية صحيحة تضعفها وتعلها ، فتدبر هذا المثال .


وكلما زادت هذه الطرق أو زادت الأوجه ( سيتضح الفرق بين الطريق والوجه في مبحث قادم ) من رواية من خف ضبطهم أو من رواية الضعفاء كانت هذه علة تزيد الحديث ضعفاً علي ضعف ، ووهناً علي وهن ، وذلك لكثرة الشيوخ الثقات الذين من المفترض أنهم قاموا برواية هذا الحديث ، مع تفرد من خف ضبطه أو الضعيف عنهم من دون الثقات الذين يروون عنهم فتنبه .


ولاحظ أن كلاً من الطريقين لا وجود له في الحقيقة ، بل كلاهما ليس له وجود إلا في عقل عبد الرزاق نفسه ، فتأمل .


والوجه الوحيد الذي له وجود فعلاً هو ما رواه الثقات من أصحاب الزهري عنه رحمهم الله تعالي ورضي عنهم ، أما ما رواه عبد الرزاق فهم خيال في عقله ، نسجه ، ورواه من غير عمد ، علي سبيل الوهم والخطأ .


فكيف تقوي رواية مرسلة بشيء لا وجود له في الواقع ؟؟!!



ـ علل ابن أبي حاتم حديث 1520 :

قال ابن أبي حاتم رحمه الله : وسمعته يقول روى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم : كلوا الزيت وائتدموا به .


حدث به مرة عن زيد بن أسلم ، عن أبيه : أن النبي صلي الله عليه وسلم .


هكذا رواه دهراً .

ثم قال بعد : زيد بن أسلم عن أبيه أحسبه عن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم .


ثم لم يمت حتى جعله عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم بلا شك .


أقول :

أي أنه رواه مرة مرسلاً من غير أن يذكر عمر رضي الله عنه ،

ثم شك في الرواية ، فرواه بالشك فقال : أحسبه عن عمر ،

ثم جزم فرواه موصولاً .


وهذا وهم ناتج من سوء الحفظ ، وسؤ الحفظ هنا مر بثلاث مراحل .


كيف ضبطه أبو حاتم ؟

روي عن عبد الرزاق من أوجه مرسلاً ، وروي عنه من أوجه أخري بالشك ، وروي من أوجه عنه متصل أيضاً ، وأبو حاتم قد علم عنه سوء الحفظ من جمعه لأحاديثه .


وهذا وهم آخر عده أبو حاتم علي عبد الرزاق .

ولاحظ أيضاً أن هذه الروايات التي أخطأ فيها عبد الرزاق ليس لها وجود ، أي أنها لم تروي أبداً بل هي في عقله فقط .



ـ علل ابن أبي حاتم حديث رقم 1627 :

قال رحمه الله : سألت أبي عن حديث رواه أبو عقيل بن حاجب عن عبد الرزاق عن سعيد بن قمازين عن عثمان بن أبي سليمان عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن حبشي قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : لا تطرقوا الطير في أوكارها فإن الليل أمان لها .


قال أبي : يقال إن هذا الحديث مما أدخل على عبد الرزاق ، وهو حديث موضوع .


فهنا ساء حفظه جداً ، ويقال أن حفظه ساء بهذه الدرجة لما كبر وعمي ، ولكن ليس معنى هذا أن كل هذه الأخطاء هكذا ، بل الكثير منها قبل كبره في السن يقيناً .


وهذا رابع عندما كبر عبد الرزاق وساء حفظه جداً ، أيضاً ضبطه أبو حاتم رحمه الله تعالي .



ـ علل ابن أبي حاتم حديث 1794 :

قال رحمه الله : سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلي الله عليه وسلم : كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أني أحسنت . . . وذكر الحديث .


قالا :

هذا خطأ رواه حماد بن شعيب عن منصور عن جامع بن شداد عن الحسن بن مسلم عن النبي صلي الله عليه وسلم مرسل وهو الصحيح .

أي أن عبد الرزاق :

أ ـ وصل الحديث المرسل .

ب ـ سلك الجادة وأبدل راويين بآخرين .

وهذا أيضاً وهم فاحش .


وتأمل أن الحديث هكذا له متابعة ، فالبطبع يرتقي !!!!


وتذكر دائماً أن هذا الوجه الذي رواه عبد الرزاق لا وجود له في الحقيقة ، وإنما وجوده في عقل عبد الرزاق ليس إلا ، أي أن أبا وائل لم يرو هذا الحديث طرفة عين ، لأنه وبوضوح لم يسمعه أبداً من ابن مسعود رضي الله عنه !!


وإنما إدخال اسم أبي وائل في هذه الرواية هو خطأ من عبد الرزاق ليس أكثر ، بدليل أن أحداً من الثقات الحفاظ الأثبات لم يتابع علي هذا ، بل إن الثقات لما رووا هذا الحديث رووه عن الحسن بن مسلم رحمهم الله تعالي جميعاً .


وكل هذا مجرد وهم من عبد الرزاق ، صنعه عقله ، ونطقه بلسانه ، وهذا عند كل عاقل لا يجعل له وجوداً .

أما من يقوي هذا بذاك فهو يرسم بالرمال علي الماء .



وهذا وهم ضبطه أبو حاتم أيضاً وأبو زرعة .

كيف ضبطه أبو حاتم رحمه الله ؟

أبو حاتم حافظ كبير ، والمعروف عنده أن الحديث عن منصور عن جامع بن شداد ، وكذا رواه أبو معاوية عن الأعمش عن جامع بن شداد ، وأبو معاوية من أثبت الناس في الأعمش إن لم يكن أثبتهم ، فالحديث حديث جامع بن شداد وليس حديث أبي وائل شقيق ، وإنما سلك عبد الرزاق الجادة لسوء حفظه .



ـ علل ابن أبي حاتم حديث 2415 :

قال رحمه الله : سألت أبا زرعة عن حديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلي الله عليه وسلم في النهي عن الأكل بالشمال .


فقال : هذا خطأ .

قلت : قد تابع معمراً في هذا الحديث عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري ؟

فقال أبو زرعة : الناس يقولون عن الزهري عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر وهذا الصحيح .


قوله : الناس يروونه أي أصحاب الزهري رحمهم الله ، وهذا يبين أنه لولا أن ثقات أصحاب الزهري رحمهم الله رووه عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر لما استطاع أبو زرعة أن يعرف أن عبد الرزاق أخطأ في هذا الحديث وأنه سلك الجادة المشهورة .


وهذا خطأ آخر من عبد الرزاق أبدل راو بآخر ، وضبطه أبو زرعة الرازي الحافظ الكبير.


وله في ذلك سلف وهو عبد الرحمن بن إسحاق !!!

والظن أنه أي عبد الرزاق سمعه من معمر على الصواب ثم لسوء حفظه اختلفت عليه رواية عبد الرحمن بن إسحاق فروى مثلها عن معمر وربما العكس .


وهذا فيه دلالة على أن الاثنين يتفقان على رواية وتكون خطأً ، أي أن اتفاقهما لا يثبت أن لها أصلاً كما يظن بعض المشتغلين بكتب المصطلح !!!


ولا حظ أن الحكم علي الروايتين بأنهما وهم يعني أن كلتاهما لا وجود لها في الحقيقة ، بل وجودهما فقط في عقول من رواهما ، فتقوية واحدة منهما بالأخري


عمل لا يقبله عقل سليم يتحري الحق الذي أوحاه جبريل إلي نبينا محمد عليهما السلام .



ـ علل ابن أبي حاتم حديث 2470 :


قال رحمه الله : سألت أبي عن حديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن السائب بن يزيد قال : كان عمر يمر علينا نصف النهار أو قبيله فيقول : قوموا فقيلوا فما يقيل الشيطان .


قال أبي : ليس فيه ابن حزم من رواية ابن المبارك .


أي أنه يقول : إن عبد الله بن المبارك رحمه الله رواه عن معمر عن سعيد عن السائب رضي الله عنه مرسلاً ، وابن المبارك أثبت من عبد الرزاق بكثير ، فكأن أبو حاتم يقول أن عبد الله بن المبارك رواه مرسلاً ولم يذكر فيه أبا بكر بن عمرو بن حزم فيكون فيه إرسال ، فوصله عبد الرزاق ، ولكن الرواية الصحيحة هي رواية ابن المبارك رحمه الله .


فحكم أبو حاتم لرواية عبد الله بن المبارك ، لأنه أثبت من عبد الرزاق وأوثق بكثير .


فهـذا خطأ آخر من عبد الرزاق وهو وصل مرسل بزيادة رجل في السند ، وعده أبو حاتم علي عبد الرزاق .


والذي سيقوي الرواية المرسلة بالمتصلة ويقول أن هذا يدل علي أن لها أصلاً يحاول أن يجعل الروح تدب في ميت مات منذ إثنتي عشرة قرناً من الزمان ، فهذه الرواية المكان الوحيد الذي رويت فيه هو عقل عبد الرزاق .


والشيخ الوحيد الذي رواها هو عقل عبد الرزاق .




ـ سؤالات البرذعي لأبي زرعة 2/450 :


قال البرذعي : قال : أبو زرعة ذاكرت أحمد بن حنبل عن إبراهيم بن موسى عنه ( عبد الرزاق ) عن أبي معشر عن الربيع بن أنس . . . . . . الحديث .


فقال أحمد : هو حدثنا به ( أي عبد الرزاق وكان شيخه ) عن أبي جعفر ( أي ليس عن أبي معشر ) وذهب إلى أن إبراهيم أخطأ فيه ( يعني أحمد رحمه الله بإبراهيم : إبراهيم بن موسي شيخ أبي زرعة ) لأن أبا معشر لم يسمع من الربيع بن أنس ، وهذا خطأ فاحش .


قلت لأحمد : فحدثنا عنه ( أي عن عبد الرزاق ) حماد بن زاذان القطان عن أبي معشر ، فرأيت أحمد قد احمرت وجنتاه واغتم ، وذلك أنه كان يعظم أبا زياد القطان وكان يعرفه وكان رفيقه في طلب الحديث .


ومعنى هذا أن عبد الرزاق حدث مرة عن أبي جعفر ومرة عن أبي معشر وذلك في أوقات متقاربة ، أي قبل أن يكبر في السن ، لأن شيوخ أبي زرعة أقران أحمد رحمهم الله تعالى ، وقد اختلفوا عليه ، فلما فهم أحمد رحمه الله هذا المعنى تغير وجهه ، وذلك لأن عبد الرزاق شيخه وعنده حديث كثير عنه .


وهذا أيضاً وهم من عبد الرزاق إبدال رجل برجل ، والرجل الذي أبدله من السند لم يسمع من شيخه ، كما قال أحمد بن حنبل ، وهذه دلالة للراوي تساعده علي تذكر أسماء الرواة ، كون هذا سمع من ذاك ويروي عنه ، وهذا لم يسمع عنه ولا يروي عنه .


بالطبع لم نجمع أوهام عبد الرزاق ولكن لمن أراد أن يراجعها في علل ابن أبي حاتم وكذا علل أبي الحسن الداراقطني معين لا ينضب في جمع هذه الأخطاء لمن أراد التوسع ، وفيها العديد من أوهام عبد الرزاق ، وأول حديث فيها فيه وهم علي ما أذكر لعبد الرزاق رحمه الله ، وأظنه إبدال خنيس بن حذافة بحبيش بن حذافة ، وهذا خطأ منه في إسم صحابي مشهور .


فهذه ببساطة هي طريقة الحكم على الرواة ، نجمع حديث الراوي محل البحث ثم نقارن كل حديث رواه بروايات الآخرين فنقف على مواضع الزلل والخلل ونعلم قدر هذا الراوي بالضبط ، وهذه هي الطريقة الوحيدة ، لا سبيل غير ذلك .


فإذا جاء رجل لا يعلم هذا الكلام ، أو لم يراجع طرق أحاديث الرواة المتكلم فيهم ورأي أبا حاتم في الجرح والتعديل يقول : عبد الرزاق لا يحتج بحديثه !! قال : إن أبا حاتم من المتشددين !! ، وأخذ في تقسيم المحدثين إلي فئات : إلي متشددين ومتوسطين ومتساهلين !!


وعلي هذه القسمة الفاسدة كثير من المنتسبين إلي العلم !!

لم لا تقول أنه ظهر له علم خفي عن غيره ؟ ، خاصة وأن الأمر يعتمد علي جمع طرق حديث كل راو ، ولأن كل عالم وحافظ من الحفاظ لم يجمع كل حديث الدنيا ربما اختلفوا في توثيق رجل أو تضعيفه ، فهذا أحمد بن حنبل رحمه الله غاب عنه ما علمه أبو زرعة من رواية عبد الرزاق عن أبي معشر وقد سمعه هو من عبد الرزاق من رواية أبي جعفر ، ولما سمع هذا الكلام تغير وجهه ، فكل من تكلم في أحد رواة الحديث إما زاد علمه عن غيره أو نقص علمه عن غيره .


لذا يختلفون أحياناً في الحكم علي بعض الرواة ، فتري شعبة المتشدد كما يصنفونه يتساهل أحياناً !!


وكذا أبو حاتم المتشدد عندهم ،


وتري البخاري الذي يصفونه بالتوسط يتشدد أحياناً ويتساهل أحياناً ،


ولكن هذا لا يعني أن الحق ضائع ، بل حسم الأمور يكون بجمع روايات هذا الراوي ودراستها كما في المثال السابق ليكون القول في الراوي قولاً واحداً ، ولم يتفرد أبو حاتم في مثالنا هذا بالكلام في عبد الرزاق .


وأبو زرعة أيضاً يتكلم في عبد الرزاق ،

وكذا البخاري يقول عنه : عبد الرزاق يهم في بعض ما يحدث به !!! ،

وأحمد تغير وجهه عندما سمع مقالة أبي زرعة ،

وتكلم فيه والعقيلي أيضاً .


فكم الأخطاء التي يقع فيها الراوي ونوعيتها ومدى فحشها ، هي التي تحدد درجة الراوي هل هو ثقة ثبت متقن أي خطؤه نادر معروف معدود ، وهناك الثقة وهو أدنى ، وكلما زادت الأخطاء وفحشت نزلت الرتبة !! وهكذا . . .


ـ الجرح والتعديل ج1 / ص77


نا محمد بن يحيى ، أخبرني يوسف بن موسى التستري ، قال سمعت أبا داود يعنى الطيالسي يقول : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : سمعت سفيان الثوري يقول : ما رأيت أورع من جابر الجعفي في الحديث .

فهذا هو سفيان الثوري قد تساهل جداً في التوثيق !! ، حتي أنه وثق جابراً المتهم بالكذب من غير واحد .



ـ شرح علل الترمذي ج2 / ص567


قال أمية بن خالد قلت لشعبة : مالك لا تحدث عن عبد الملك بن أبي سليمان ؟ ، قال تركت حديثه ، قلت : تحدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي وتدع عبد الملك بن أبي سليمان ؟ ، وكان حسن الحديث .


وهاهنا تشدد شعبة في أمر عبد الملك بن أبي سليمان ، وتساهل في أمر محمد بن عبيد الله العرزمي ، وعامة النقاد علي خلافه في هذا ، فكيف يتساهل شعبة المتشدد ؟؟!!


الأمر كما رأيت نسبي ، فالمتساهل قد يتشدد في بعض الرواة ، والمتساهل قد يتشدد في بعض الرواة تبعاً لما يسبره من حديثهم ، فإن لم يبلغه ما بلغ غيره من دواعي الجرح من كثرة خطأ الراوي محل البحث وثق هذا الراوي الذي جرحه آخرون غيره ، فقالوا عنه أنه متساهل .


وإن بلغه ما لم يبلغ غيره من دواعي الجرح في الراوي من كثرة خطئه ، جرح الراوي محل البحث ، فإذا وثقه غيره ممن لم يعلم هذه الروايات سبب الجرح ، قالوا عنه أنه متشدد !!


والبخاري المتوسط كما يصفونه ، يتشدد في رواة ، ويتساهل في رواة كفليح بن سليمان الذي وضعه في مرتبة الاحتجاج في الفضائل في صحيحه .


ويحيي بن معين المتشدد كما يصفونه ، يتساهل في مسلم بن خالد الزنجي ويوثقه ، بينما يتشدد فيه البخاري المعتدل المتوسط ويقول : منكر الحديث .


وشعبة المتشدد يصف محمداً بن إسحاق بأنه أمير المؤمنين في الحديث !!

ومالك يصفه بأنه دجال من الدجاجلة ،

وكذبه هشام بن عروة علي ما أذكر !! ،

ولم يحتج به البخاري ولا مسلم ،

ومع هذا يصفه شعبة بأنه أمير المؤمنين في الحديث ، وليس مجرد ثقة من الثقات !! ، وشعبة هذا هو رأس التشدد في نقد الرجال عند أصحاب هذه التقسيمة المحدثة الفاسدة !!


وهؤلاء الذين جرحوا محمداً بن إسحاق من المتوسطين في الجرح والتعديل كما يصنفهم أصحاب كتب المصطلح التي خرجت في ظلام القرن الخامس والسادس والسابع في غيبة من علوم الحديث ، وحضور المذهبية المقيتة ، والفلسفة والكلام الذي كان عمدة المناظرات الدينية .


وعلي هذا ومن غير تطويل في هذه الجزئية فالذي يصفونه بالتشدد قد يتساهل أحياناً ، والذي يصفونه بالتساهل قد يتشدد أحياناً ، والذي يصفونه بأنه من المتوسطين قد يتساهل أحياناً ويتشدد أحياناً ، وكل منهم إنما يحكم علي الراوي بما ظهر له ، من كثرة خطأه أو قلته أو عدمه ، تبعاً لما بلغه من روايات مسندة ، لذا فإنني أري أن إطلاق هذه الأقوال علي أئمة الجرح والتعديل ، وتقسيمهم إلي ثلاث طبقات أمر يجانبه التوفيق والصواب ، والله تعالي أعلم ، أسأل الله سبحانه وتعالي أن ييسر لي بحثاً مطولاً في هذه النقطة الهامة ، ألا وهي تقسيم نقاد الحديث إلي ثلاث طبقات : متشددين ، ومعتدلين ، ومتساهلين ، لما لها من أهمية لا تخفي في قضية وضع أقوال أهل الجرح والتعديل في نصابها الصحيح ، والله المستعان .



انتهي هاهنا النقل من ( الحديث الحسن بين الحد والحجية ) ، ولعل الأمثلة اليسيرة التي ضربتها في المبحث الذي قبله تكمل ما في مبحث ( كيف تُوثق الرواة وتُضعف ) .


وأكتفي بهذا خشية التطويل علي القارىء ، أسأل الله سبحانه وتعالي السداد لي ولأهل الحديث .


اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد ، كما صليت علي آل إبراهيم ، اللهم بارك علي محمد وعلي آل محمد ، كما باركت علي آل إبراهيم .

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *