شبهات منكري السنة النبوية
نكراني يسال أين مسند بقي بن مخلد ؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا تنقضي العجائب من شُبَه منكري السنة النبوية، وإليكم إحدى هذه الشبهات وتفنيدها.
كنتُ قد علّقتُ على مقطع مرئي لشخص يُدعى عدنان الرفاعي، وقد دعوته إلى مناظرة في حجية السنة النبوية، يمكن مشاهدتها على قناتي.
وفي أثناء ذلك، دخل أحد منكري السنة في النقاش، فطرح سؤالاً يقول فيه: “أين مسند بقي بن مخلد؟ إنه مفقود! وبما أن المسند مفقود، فهذا يعني أن الأحاديث ليست وحياً، لأن الوحي لا يُفقد!”
فرددتُ عليه بسؤال منطقي: “وأين النسخة الأصلية من القرآن الكريم التي كُتبت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟” فاضطر المُعترض إلى الإقرار بأن القرآن الموجود في بيوتنا اليوم هو نفسه الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، رغم عدم وجود النسخة الأصلية.
وهنا يكمن الرد المنطقي: إذا كان هذا صحيحاً بالنسبة للقرآن الكريم، فكذلك الأحاديث التي كانت في مسند بقي بن مخلد هي نفسها الموجودة في كتب الحديث الأخرى التي بين أيدينا.
ولنتعمق في فهم هذه المسألة: بقي بن مخلد الأندلسي، المتوفى سنة 270 أو 272 للهجرة، كان من العلماء الذين رحلوا في طلب العلم.
فعندما كان في الأندلس، تتلمذ على يد يحيى بن يحيى الليثي، وهو من أشهر رواة موطأ الإمام مالك. وعندما رحل إلى المشرق، سمع من علماء أجلاء مثل ابن أبي شيبة والإمام أحمد بن حنبل.
فمن المنطقي أن نفهم أن الروايات التي جمعها بقي بن مخلد في مسنده هي مما سمعه من هؤلاء الشيوخ الأجلاء. فما رواه عن يحيى بن يحيى الليثي هو من موطأ مالك، وما رواه عن ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل هو من مصنفاتهم ومسانيدهم.
وإذا قُدّر لنا العثور على مسند بقي بن مخلد، فسنجد أنه يحتوي على نحو ثلاثين ألف حديث من مسند الإمام أحمد، إضافة إلى الآثار من مصنف ابن أبي شيبة، وروايات من موطأ مالك، ليصل مجموع ما فيه إلى نحو أربعين ألف حديث.
فالسؤال المنطقي: من أين يمكن لبقي بن مخلد أن يأتي بأحاديث غير موجودة في كتب شيوخه؟ إن ما جمعه هو مما سمعه من شيوخه الثقات، وكتب هؤلاء الشيوخ وشيوخهم محفوظة بين أيدينا إلى يومنا هذا.
فمن لم يفهم طبقات الرواة، ولم يعرف عمن أخذ كل راوٍ، ولم يدرك طرق تحمل الحديث ونقله، قد يظن أن فقدان مسند بقي بن مخلد يعني فقدان ما فيه من أحاديث. والحقيقة أن ما نقله عن شيوخه محفوظ في كتبهم التي وصلت إلينا.
وبهذا يتبين أن هذه الشبهة، التي يرددها منكرو السنة – والذين لا يصح تسميتهم بالقرآنيين لأنهم لا يفقهون القرآن حق فقهه – هي شبهة واهية لا تقوم على أساس علمي أو منطقي سليم.
والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.