الحمد لله رب العالمين
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
انتشرت في الأيام الفائتة منشورات كثيرة ومقاطع مرئية حول مناظرة طلاب علم من المدرسة السلفية هو ملة النووي شارح صحيح مسلم .
ولست بصدد الرد على أحدهما أو كليهما ، لكن بعض النقاط استوقفتني بشدة ققاومتها ، فألحت علي ، فقررت أن أكتب عن بعضها .
أولاً :محاولة حسن الحسيني دفع تهمة الأشعرية عن النووي :
بسبب تناقضات تأصيلية في الفكرة السلفية – المدرسة الوهابية ، فإن بعض أتباعها كالحسيني يلجأون للهروب للخلف ، فتجده يحاول أن ينفي عن النووي تهمة الأشعرية أصلاً ! ويزعم أنه وافقهم في مسألة أو بعض المسائل فقط لكن أصوله غير أصولهم ، وينجر هذا لكل مشرك طالما هو عالم ولا نستطيع أن نستغني عن كتبه ! فخدمته للاسلام تجعله فوق الإسلام نفسه .
فإن كنا لا نجد رداً على اتهام النووي بالأشعرية والحكم عليه بناء على هذا ، فلننف عنه الأشعرية أصلاً وينتهى الجدال !
ثانيًا : احتجاج الحسيني بسكوت العلماء عن ملة النووي الأشعرية :
سكت العلماء عنه ولم يبدعوه فهذا دليل على خطأ كلامك !
هذه كانت حجة الحسيني الرئيسية المعتبرة ، العلماء رأوا كتب النووي ، اطلعوا على كتابات النووي ، فكيف سكتوا عنه جميعاً ولم يدركوا ما أدركته أنت ؟
وهذه هي عمدة الفكر السلفي الذي يقوم على التكلم على لسان الساكت ونسبة ما لم يقله إليه .
فسكوت العلماء عن تبديع النووي هو دليل على سلامة ملته ، وكأن السكوت لا يكون إلا إقراراً فقط !
ثالثاً : دفاع السلفية عن الأشعرية الصوفية :
من المنطقي أن ينبري الأشاعرة والصوفية للدفاع عن النووي ، فهو عندهم إمام من الأئمة وقطب من أقطاب الصوفية ، فلا شك ينبرون للدفاع عن رمز من كبار رموزهم .
لكن العجيب أن ينبري سلفي للدفاع عن إمام الأشاعرة وقطب الصوفية خلاف ما درس وتعلم في مذهبه وكتبه !
فمحمد شمس الدين يدافع عن أصوله التى تعلمها وهو على حق بناء على ما درسه من منهج سلفي حنبلي وهابي ، أما الحسيني فيخالف كل ما درسه وتعلمه للتقية والمدارة .
فشمس الدين الصادق على مذهبه بينما الحسيني ينافق ويداهن .
رابعاً : يبدو أن الطرفين المتناظرين لم يطلعا على كتابات النووي اطلاعاً محيطاً ، ولو فعلا لوجدا ما هو أسوأ :
قال النووي في شرح صحيح مسلم:
“أما أحكام الباب ففيه استحباب تحنيك المولود، وفيه التبرك بأهل الصلاح والفضل، وفيه استحباب حمل الأطفال إلى أهل الفضل للتبرك بهم، وسواء في هذا الاستحباب المولود في حال ولادته .
هنا النووي يجيز ( التبرك بأهل الصلاح والفضل ) .
قال النووي في باب قربه صلى الله عليه وسلم من الناس وتبركهم به وتواضعه لهم:
“وفيه التبرك بآثار الصالحين وبيان ما كانت الصحابة عليه من التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم وتبركهم بإدخال يده الكريمة في الآنية وتبركهم بشعره الكريم وإكرامهم إياه أن يقع شيء منه إلا في يد رجل سبق إليه“
هنا النووي مد التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى التبرك ( بآثار الصالحين ) مع أن هذا لم يأت في الحديث !
وللنووي ورد من أوراد الصوفية بصفته قطباً من أقطاب التصوف روي عنه بالإسناد المتصل :
ورد الإمام النووي
سلسلة السند المتصل لتلقي هذا الحزب الشريف وصولاً إلى الإمام النووي: قال الإمام عمر الشبراوي في مقدمة شرحه على هذا الحزب: وقد تلقيته عن شيخنا العلامة محمد السباعي وهو عن والده العلامة السيد صالح السباعي وهو عن العلامة الشيخ الدردير وهو عن شيخه الشيخ الحفني وهو عن شيخه الشيخ مصطفى البكري وهو عن الشيخ محمد بن أحمد الدمياطي الشافعي الشهير بابن الميت البديري وهو عن الشيخ الشبراملّسي وهو عن الشيخ العلامة عبد الرحيم العراقي وعن الشيخ علاء الدين ابن العطار وهو عن القطب يحيى النووي .
قال النووي في المجموع (8 / 274) مبينا ما يستحب أن يقوله من يزور النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا وقف أمام القبر الشريف مخاطبا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ما نصه:
“ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا – يعني سائر الشافعية – عن العتبي مستحسنين له قال: “كنت جالسا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: “ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله وأستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما” وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي . . . . .” كلام النووي
وذكر قريباً من ذلك الإيضاح الباب السادس ص ٤٩٨
فالنووي يجيز طلب الشفاعة لغفران الذنوب من جسد النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبره متوفى !
قال النووي في شرح صحيح مسلم ج 18 ص 112 في حديث أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر ارض ثمود
(وفى هذا الحديث فوائد منها النهى عن استعمال مياه بئار الحجر الا بئر الناقة، ومنها لو عجن منه عجينا لم يأكله بل يعلفه الدواب، ومنها أنه يجوز علف الدابة طعاما مع منع الآدمى من أكله، ومنها مجانبة آبار الظالمين والتبرك بآبار الصالحين .)
قال النووي بركة الصالحين بعد موتهم لا تنقطع عن المؤمنين
قال النووي في ” الأذكار ” (ص 431):
” { فَصْلٌ: في تقبيلِ وجهِ الميتِ والقادمِ من سفرٍ }
ولا بأسَ بتقبيلِ وجهِ الميتِ الصالحِ للتَّبَرُّكِ “. المراد .
قال النووي–عقب حديث الاستشفاء بجُبة رسول الله صلى الله عليه وسلم-:
« وفى هذا الحديث دليل على استحباب التبرك بآثار الصالحين وثيابهم»
شرح النووي على صحيح مسلم 14/44.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم:
«قوله فخرج بلال بوضوء فمن نائل بعد ذلك وناضح تبركًا بآثاره صلى الله عليه وسلم، وقد جاء مبينًا في الحديث الآخر: فرأيت الناس يأخذون من فضل وضوئه، ففيه التبرك بآثار الصالحين واستعمال فضل طهورهم وطعامهم وشرابهم ولباسهم»
شرح النووي على صحيح مسلم 14/44 .
وقال النووي في شرح صحيح مسلم:
«وفي هذا الحديث فوائد: “منها تحنيك المولود عند ولادته وهو سنة بالإجماع كما سبق.
ومنها أن يُحَنّكه صالح من رجل أو امرأة.
ومنها التبرك بآثار الصالحين وريقهم وكل شيء منهم“
شرح النووي على صحيح مسلم 14/124 .
وقال النووي في شرح صحيح مسلم:
“أما أحكام الباب ففيه استحباب تحنيك المولود، وفيه التبرك بأهل الصلاح والفضل، وفيه استحباب حمل الأطفال إلى أهل الفضل للتبرك بهم، وسواء في هذاالاستحباب المولود في حال ولادته وبعدها”شرح النووي على صحيح مسلم 14/194 .
وقال النووي في باب قربه صلى الله عليه وسلم من الناس وتبركهم به وتواضعه لهم:
“وفيه التبرك بآثار الصالحين وبيان ما كانت الصحابة عليه من التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم وتبركهم بإدخال يده الكريمة في الآنية وتبركهم بشعره الكريم وإكرامهم إياه أن يقع شيء منه إلا في يد رجل سبق إليه” شرح النووي على صحيح مسلم 15/82 .
قال النووي في شرح صحيح مسلم :
«شرح النووي على مسلم» (3/ 15):
«(باب اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه وتعالى)
اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِأَجْمَعِهِمْ أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُمْكِنَةٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ عَقْلًا وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى وُقُوعِهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى دُونَ الْكَافِرِينَ وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ وَأَنَّ رُؤْيَتَهُ مُسْتَحِيلَةٌ عَقْلًا وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنَيْنِ وَرَوَاهَا نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآيَاتُ الْقُرْآنِ فِيهَا مَشْهُورَةٌ وَاعْتِرَاضَاتُ الْمُبْتَدِعَةِ عَلَيْهَا لَهَا أَجْوِبَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَكَذَلِكَ بَاقِي شُبَهِهِمْ وَهِيَ مُسْتَقْصَاةٌ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ بِنَا ضَرُورَةٌ إِلَى ذِكْرِهَا هُنَا وَأَمَّا رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا مُمْكِنَةٌ وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي الدُّنْيَا وَحَكَمَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فُورَكَ أَنَّهُ حَكَى فِيهَا قَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَحَدُهُمَا وُقُوعُهَا وَالثَّانِي لَا تَقَعُ ثُمَّ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الرُّؤْيَةَ قُوَّةٌ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا اتِّصَالُ الْأَشِعَّةِ وَلَا مُقَابَلَةُ الْمَرْئِيِّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ لَكِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ فِي رُؤْيَةِ بَعْضِنَا بَعْضًا بِوُجُودِ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الِاتِّفَاقِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ وَقَدْ قَرَّرَ أَئِمَّتُنَا الْمُتَكَلِّمُونَ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ الْجَلِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِثْبَاتُ جِهَةٍ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ بَلْ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ لَا فِي جِهَةٍ كَمَا يَعْلَمُونَهُ لَا فِي جِهَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ»
خامساً : التناقض بين الفتوى على العامي وعلى العالم !
هذه هي النقطة الأساسية التى أردت الكتابة من أجلها حقيقة ، والحاصل أنك إذا استفتيت شيخاً سلفياً فيمن يقول أن الله سبحانه يده هي القوة وسمعه وبصره سبحانه هما نفس علمه ما حكمه ؟
فسيجيبك فوراً أن هذا الشخص كافر بالإجماع ولا شك في كفره لإنكاره الصفات وتأويلها بغير مستند شرعي غير تحكم العقل في النص .
فإذا نسبت هذه الأقوال كلها للنوي فستتغير الفتوى ويظهر كلام جديد عن المعين ووجود شروط وانتقاء موانع ، لا مشكلة ، لكن ماذا عن العامي الذي حكمت عليه بالكفر من دقائق ؟ ألم يكن أولى بهذه الأعذار ؟ هو قلد النووي في هذا ! فكفرت أنت المقلد وسكت عن صاحب القول !
فإن عدت إلى نفس الشيخ السلفي وسألته أن صديقاً لك يتبرك بآثار الصالحين من الأموات والأحياء ويتوسل إلى الله بالصالحين ، ويطلب من الموتى الشفاعة عند الله سبحانه ليغفر له ذنبه ويطلب المدد من الأموات ، فما حكمه ؟
الإجابة التي لا شك فيها أنه مشرك كفر كفراً مخرجاً من الملة .
فإن قلت له فهذه الأقوال كلها تعلمها من رجل اسمه النووي ومن كتبه فهل النوري هذا أيضاً كافر ؟
سيجيبك أن النووي إمام والأئمة لا يشركون ولا يكفرون !!
شاهد الڤيديو
{ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } [آل عمران:8]