في الدين البشري : الحكم للبشر وليس لله

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

استمع للمقطع الصوتي

في الدين البشري : الحكم للبشر وليس لله

فِي سِيَاقِ الرَّدِّ عَلَى جَهَالَاتِ بَعْضِ الْمُخَالِفِينَ، شَاهَدْتُ مَقْطَعًا عَلَى يُوتِيُوبْ لِأَبِي الْفَضْلِ مَاهِرٍ الْمِصْرِيِّ، اسْتَمِعْ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِلَى التَّعْلِيقِ.

يَقُولُ أَبُو الْفَضْلِ الْمِصْرِيُّ، مُخَاطِبًا أَحَدَ مُخَالِفِيهِ مِنَ الَّذِينَ يَهْجُمُونَ عَلَى الْأَشَاعِرَةِ، مُلْزِمًا إِيَّاهُ بِقَوْلِ أَحَدِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَنْقُلُ مُخَالِفُ أَبِي الْفَضْلِ مِنْ كُتُبِهِمْ، قَائِلًا أَنَّ هَذَا الْعَالِمَ الَّذِي لَمْ يُسَمِّهِ تَمْوِيهًا، وَيَسْتَدِلُّ مِنْ كَلَامِ هَذَا الْعَالِمِ بِأَنَّهُ زَكَّى بَعْضَ الْمُتَصَوِّفَةِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ كَمَا سَمَّاهُمْ أَبُو الْفَضْلِ، وَيَنْقُلُ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ زَكَّى النَّوَوِيَّ، ثُمَّ الْكَلَامُ عَلَى الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ وَالَّذِي رَدَدْتُ عَلَيْهِ فِي مَقْطَعٍ وَحْدَهُ، ثُمَّ نَقَلَ تَزْكِيَةَ هَذَا الْعَالِمِ الَّذِي يَنْقُلُ عَنْهُ مُخَالِفُ أَبِي الْفَضْلِ لِلذَّهَبِيِّ وَيَسْأَلُ هَلْ تَقْبَلُ كُلَّ كَلَامِ الذَّهَبِيِّ لِأَنَّ هَذَا الْعَالِمَ قَدْ زَكَّاهُ؟ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى تَزْكِيَةِ هَذَا الْعَالِمِ لِلْبَيْهَقِيِّ الْأَشْعَرِيِّ الشَّافِعِيِّ الدِّيَانَةِ.

وَلَازِمُ كَلَامِ أَبِي الْفَضْلِ أَنَّ هَذَا الْعَالِمَ وَالَّذِي زَكَّى كُلَّ هَؤُلَاءِ أَنْتَ تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَتَنْقُلُ مِنْ كُتُبِهِ، فَإِمَّا تَقْبَلُ مِنْهُ تَزْكِيَةَ هَؤُلَاءِ أَوْ تَطْعَنُ فِيهِ لِأَنَّهُ زَكَّى هَؤُلَاءِ وَهُمْ عِنْدَكَ مَطْعُونٌ فِيهِمْ!

دَعْنِي أَتَوَقَّفُ عِنْدَ تَعْبِيرٍ مُهِمٍّ: عَالِمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ تَعْتَمِدُ عَلَيْهِمْ وَتَنْقُلُ مِنْ كُتُبِهِمْ، أُرِيدُ أَنْ نُحَدِّدَ هُنَا وَكَضَرُورَةٍ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ، مَا هِيَ حُجِّيَّةُ قَوْلِ الْعَالِمِ فِي إِثْبَاتِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ؟ هَلْ قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ هُوَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ؟ أَمْ هُوَ فَهْمُهُ وَاجْتِهَادُهُ لِإِنْزَالِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ؟

دَعْنِي أَضْرِبْ لَكَ مِثَالًا، بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ذَكَرَ فَائِدَةً مِنْ أَحَدِ الْأَحَادِيثِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: “هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟” قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: “أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ”.

يَقُولُ هَذَا الْعَالِمُ: وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّهُ لِلْوَلِيِّ الْمُتَمَكِّنِ مِنَ النَّظَرِ فِي الْإِشَارَاتِ أَنْ يَقُولَ الْقَوْلَ وَيَنْسِبَهُ إِلَى اللَّهِ، كَذَا قَرَأْتُ بِخَطِّ بَعْضِ شُيُوخِنَا، وَكَأَنَّهُ فَهِمَهُ مِنْ سُؤَالِهِ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟” وَأَنَّهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ.. بِالْمَعْنَى.

هَلْ فَهِمْتَ مَا قِيلَ؟ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ أَصْحَابَهُ: “أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟” فَهَذَا الْعَالِمُ وَشَيْخُهُ يَقُولُونَ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ عَلَى الْحَقِيقَةِ يَعْنِي أَنَّهُ يَنْتَظِرُ مِنْهُمْ جَوَابًا، وَهَذَا مُقْتَضَاهُ أَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ أَشْيَاءَ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنَ النَّظَرِ فِي الْإِشَارَاتِ وَأَنَّهُمْ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُجِيبُوا مَعَ نِسْبَةِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَهَذَا عِنْدَ الْمُتَصَوِّفَةِ مَا يَقُولُونَ فِيهِ: “حَدَّثَنِي قَلْبِي عَنْ رَبِّي!”

يَعْنِي الْعَالِمُ وَشُيُوخُهُ (وَهُمْ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ الْقُبُورِيَّةِ) فَهِمُوا هَذَا الْفَهْمَ مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ لَيْسَ مِنْ حَدِيثٍ ضَعِيفٍ، الْآنَ مَنْ يَقُولُ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ حَدَّثَهُ قَلْبُهُ عَنْ رَبِّهِ ثُمَّ يَسْتَفِيضُ فِي ذِكْرِ الْقِصَصِ وَالْحِكَايَاتِ هَلْ تُقْبَلُ مِنْهُ هَذَا الْكَلَامُ؟

ثَانِيًا مَا هُوَ حُكْمُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ عِنْدَكَ فِي دِينِكَ، وَالَّتِي تَقُولُ حَدَّثَنِي قَلْبِي عَنْ رَبِّي؟

ثَالِثًا إِنْ حَكَمْتَ بِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ، هَلْ يَمْتَدُّ هَذَا الْحُكْمُ لِهَذَا الْعَالِمِ وَشُيُوخِهِ أَمْ لَا؟ مَعَ الْعِلْمِ لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْعَالِمَ!

السُّؤَالُ الْمُهِمُّ: هَلْ هَذَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي فَهِمَهُ الْعَالِمُ وَشُيُوخُهُ هُوَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الْحَقِيقِيُّ أَوْ تَصَوُّرُهُ وَفَهْمُهُ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِنَ الْحَدِيثِ؟

الْمَبْحَثُ الثَّانِي:

رَدُّ النِّزَاعِ إِلَى أَقْوَالِ الْبَشَرِ، وَهِيَ حَقِيقَةُ الْأَدْيَانِ الْبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا، فَالسُّنَّةُ يَرُدُّونَ الدِّينَ إِلَى عُلَمَاءِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةُ يَرُدُّونَ الدِّينَ إِلَى مَرَاجِعِهِمْ، وَالصُّوفِيَّةُ يَرُدُّونَ الدِّينَ إِلَى أَقْطَابِهِمْ، وَالْإِسْلَامُ أَمَرَنَا أَنْ نَرُدَّ الْأَمْرَ لِلَّهِ فِي الْكِتَابِ وَلِفَهْمِ وَتَطْبِيقِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

فَالدِّينُ الْبَشَرِيُّ يَرُدُّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ إِلَى قَالَ فُلَانٌ وَقَالَ عِلَانٌ، مَعَ أَنَّهُ يُفْتَرَضُ أَنَّهُ يُمْكِنُنِي مُنَازَعَةُ فُلَانٍ وَعِلَانٍ أَنْفُسِهِمْ، فَأَصْبَحَ رَدُّ الْأَمْرِ لَهُمْ!

فَلِكَيْ نَحْكُمَ عَلَى مِلَّةِ إِنْسَانٍ (الْمِلَّةُ هِيَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا فِي الدِّينِ الْبَشَرِيِّ عَقِيدَةً) لَنْ نَرْجِعَ إِلَى الْوَحْيِ، لَنْ نَرْجِعَ إِلَى النُّصُوصِ، بَلْ إِلَى أَقْوَالِ الْبَشَرِ، فَإِنْ قَالَ عَالِمٌ فُلَانٌ مُشْرِكٌ نَقْبَلُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ نَرْفُضُ الْقَوْلَ مَهْمَا كَانَ مُؤَيَّدًا بِالدَّلِيلِ، وَأَرْجِعُ إِلَى الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، النَّاقِلُ عَنْ شَيْخِهِ هُوَ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَنُرِيدُ أَنْ نَحْكُمَ عَلَيْهِ نَتِيجَةَ أَقْوَالِهِ وَمُعْتَقَدَاتِهِ، فَإِنْ رَدَدْنَاهُ إِلَى الْوَحْيِ سَتَجِدُهُ مُشْرِكًا أَشْرَكَ الْبَشَرَ مَعَ اللَّهِ وَآمَنَ بِالْأَقْطَابِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَحَدَّثَهُ قَلْبُهُ عَنْ رَبِّهِ، وَآمَنَ بِالتَّبَرُّكِ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَغَيْرِ هَذَا مِنْ خُرَافَاتِ الْمُتَصَوِّفَةِ، فَسَيَكُونُ حُكْمُهُ مَعْرُوفًا، لَكِنْ إِنْ رَدَدْنَاهُ إِلَى أَقْوَالِ الْبَشَرِ مِنْ أَقْرَانِهِ وَتَلَامِيذِهِ وَمَنْ تَلَاهُمْ سَنَجِدُهُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ وَحَسَنَةَ الْأَيَّامِ وَأَنَّ مَا يَقُولُهُ هُوَ عَيْنُ الْحَقِّ وَكَلَامُهُ لَيْسَ مُسْتَغْرَبًا بَيْنَهُمْ فَهُمْ مِثْلُهُ أَوْ أَسْوَأُ فَمِنَ الْمَنْطِقِيِّ أَنْ يَرُوُوا كَلَامَهُ وَكَلَامَ مَشَايِخِهِ إِبْدَاعًا وَعِلْمًا.

الْمُهِمُّ، رَدُّ الْأَمْرِ لَنْ يَكُونَ إِلَى الْوَحْيِ، بَلْ إِلَى أَقْوَالِ الْبَشَرِ، الْحُكْمُ عَلَى النَّاسِ لَنْ يَكُونَ بِالْوَحْيِ لَكِنْ بِأَقْوَالِ الْبَشَرِ، مَعْرِفَةُ الْمُشْرِكِ مِنَ الْمُسْلِمِ لَنْ تَكُونَ بِالْوَحْيِ بَلْ بِأَحْكَامٍ بَشَرِيَّةٍ مَحْضَةٍ وَفِي الْجُمْلَةِ لَنْ نَعْدِمَ أَقْوَالًا تُؤَيِّدُ الْجَمِيعَ حَتَّى لَوْ مِنَ الْبَعْضِ!

هَذَا هُوَ الدِّينُ الَّذِي يُدَافِعُ عَنْهُ عَبَدَةُ الْبَشَرِ وَيَخَافُونَ مِنْ سُقُوطِهِ وَرَدِّ الْأَمْرِ كُلِّهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.

الْمُلَاحَظَةُ الثَّالِثَةُ: يَقُولُ أَبُو الْفَضْلِ عَنِ الذَّهَبِيِّ كَمَا سَمِعْتُهُ: الْحَافِظُ الْكَبِيرُ الْحُجَّةُ الْعُهْدَةُ هَلْ تَرْضَى بِالْحَافِظِ الذَّهَبِيِّ وَتَقْبَلُ كُلَّ كَلَامِهِ؟

أَقُولُ: إِنِّي لَأَتَعَجَّبُ مِنْ سَذَاجَةِ الطَّرْحِ، أَبُو الْفَضْلِ يَسْأَلُ مُخَالِفَهُ: بِمَا أَنَّ شَيْخَكَ الَّذِي تَنْقُلُ مِنْ كُتُبِهِ قَدْ زَكَّى الذَّهَبِيَّ (أَقُولُ الذَّهَبِيُّ قُبُورِيٌّ أَيْضًا) بِمَا أَنَّ شَيْخَكَ وَعَالِمَكَ زَكَّاهُ وَمَدَحَهُ هَلْ سَتَقْبَلُ كُلَّ كَلَامِ الذَّهَبِيِّ؟

مَا هَذِهِ السَّذَاجَةُ يَا أَبَا الْفَضْلِ؟

مَا هَذَا الطَّرْحُ السَّطْحِيُّ السَّاذَجُ؟

لِنَفْتَرِضْ أَنَّ الذَّهَبِيَّ لَيْسَ قُبُورِيًّا، مُسْلِمٌ كَالصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَهَلْ يَجِبُ قَبُولُ كُلِّ كَلَامِهِ؟ كُلُّ كَلَامِهِ؟ مَا الْفَرْقُ إِذَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

هُنَا تَتَّضِحُ آفَةٌ جَدِيدَةٌ مِنْ آفَاتِ الدِّينِ الْبَشَرِيِّ، وَهِيَ وَضْعُ الْعُلَمَاءِ فِي مَقَامِ الْأَنْبِيَاءِ بَلْ رُبَّمَا أَعْلَى!

{  رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ  } [آل عمران:8]

مشاهدة المقطع المصور

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *