فتنة القروض وتغير سعر صرف العملة

كيف يسدد المدين دينه في حالة تغير قيمة العملة

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ

 

 قال الله سبحانه : 

{  وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا  } [الفرقان:20]

 

فالبشر هم الفتنة لبعضهم البعض ، لن تنزل إلينا ملائكة أو شياطين لتختبرنا ، بل سيأتى الاختبار عن طريق بعضنا البعض ، سنوضع في طريق بعضنا البعض وتتقاطع مصالحنا ومشاعرنا وأهدافنا لنتصارع ، وهذا الصراع ستتم مراقبتنا ونحن نخوضه ، هل سنبيع ديننا من أجل النصر ؟ أو سنضحى بكل شئ من أجل الدين ؟

 

من هذه الفتن التى انتشرت في السنوات الأخيرة هي فتنة الإقتراض والإقراض .

يأتي إليك صديق ليطلب قرضاً ، ومع مرور الأيام تتغير قيمة العملات كونها مرتبطة بعوامل كثيرة يصعب حصرها ، ونتيجة لهذا التغير تحصل بعض المشاحنات ويشعر البعض بالظلم ، وهذا الشعور ينحى عند البعض حكم الوحى بل يدفع البعض للافتراء على الوحي في مسائل الأموال !

 

ما هي أسباب هذا الصراع ؟

 

الشعور بالخسارة

إذا اقرضت شخصا ١٠٠٠ جنيه مصري عام ٢٠١٥ وقدر على سداد الدين في ٢٠٢٣ فإنه سيقوم برد مبلغ ١٠٠٠ جنيه إلى المقرض ، وقتها سيشعر المقرض بالظلم ، لماذا ؟ لأن المبلغ وقتها كان يساوى ١٢٥ دولاراً بينما وقت السداد يساوى ٢٠ دولاراً فقط ، فكيف أعطيك ما يساوى ١٢٥ دولاراً وترد إليٌ ما يساوى عشرين دولاراً ؟ 

 

القوة الشرائية

استمرارا للمثال السابق ، سيرى المقرض أن ١٠٠٠ جنيه وقتها كانت تساوى٢٠٠ كيلو من السكر بينما في وقت السداد تساوى ٣٠ كيلو من السكر فقط ، وهذا نتيجة انخفاض القوة الشرائية للجنيه . 

 

أيام العمل

أيضاً ومن وجهة نظر أخرى ، فإن هذا المبلغ كان يساوى مرتب نصف شهر ربما في وقت القرض ، أما في وقت السداد فيساوى حوالي ٣ أيام عمل .

 

من الأسئلة التي يجب طرحها هنا :

أيها المقرض الكريم إذا انخفض الدولار أو انخفضت أسعار السلع أو انخفضت الأجور فهل ستخفض عني قيمة القرض بناء على هذه العوامل أو أحدها ؟

 

يعني إذا اقترضت منك ١٠٠٠ جنيه في ٢٠٢٢ كانت تساوي ١٥ دولارا ، الآن اريد إرجاعها اليك ، لكنها تساوي ٢٠ دولارا ، فهل ستأخذها ٧٥٠ جنيهاً لأن قيمة الدولار تغيرت ؟؟ 

 

هذه الأفكار كلها تدور في رأس المقرض والمقترض فتكون النتيجة أن يطلب الزيادة بناء على أي من هذه المقاييس أو التخفيض بناءً على المقاييس نفسها .

 

من المفترض أن المسلم يرد أمر دينه كله لله سبحانه وليس لمصطلحات لم ترد في الوحي وليس لها قيمة شرعية ، فمصطلح ( القوة الشرائية ) هذا كمثال ، لم يأت في وحي وليس له قيمة شرعية في اصدار الأحكام ولا القضاء ، فكيف ندخله في مسألة شرعية وهي ( القرض ) ، هذه فتنة ، قال تعالى : {  إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ  } [التغابن:15] ، والله عنده أجر عظيم ، صدق الله .

 

 

 

الفتنة الأكبر ، هي أن تبطل ( الربا ) في المال وتجعله ليس مالاً مع أنك تتمول به يومياً لأجل مسألة القرض ، كي تخرجه من الربا ! 

فكيف اعتبرته مالاً في الإقراض وليس بمال في الربا ؟ هذه من العجائب !

 

كيف يكون القرض في الإسلام ؟

 

قال تعالى : 

{  مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ  } [الحديد:11]

 

وقال سبحانه :

{  مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ  } [البقرة:245]

 

فأنت تُقْرِض ( لله ) قرضاً ( حسناً ) يعني لا ربا ( زيادة ) فيه ، هذا تفعله ( لله ) ، ابتغاء ( مضاعفته ) لك عند الله .

 

فعند ( المسلمين ) هذه عبادة وليست صداقة او جدعنة أو ما شابه ، بل هي عبادة ترجو أجرها عند الله ( أضعافاً كثيرة ) .

 

حتى معية الله سبحانه من سبل تحقيقها والحصول عليها هو ( القرض الحسن ) :

{  وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ  } [المائدة:12]

 

الآن السؤال هو :

أنا أريد أن أقرض أخي لوجه الله ولا أريد إلا القرض الحسن ، لكن أنا أيضاً فقير ولا أريد خسارة أموالى فماذا أفعل ؟

 

الإجابة :

أقرضه ما تظن أنه سيحفظ عليك مالك ، فإن كنت تراه الدولار فهذا شأنك ، تراه الذهب ، تراه الأرز ، الملح ، كما تحب ، لكن تذكر : كل هذه الأشياء قابلة للصعود والهبوط أيضاً في الأسواق لا شئ ثابت ، فاحتسب الفرق عند الله سبحانه سواء كنت مقرضاً أو مقترضاً .

 

{  رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ  } [آل عمران:8]

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *