الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
طَرِيقَتَانِ لِضَمَانِ فَهْمِ النُّصُوصِ فَهْمًا صَحِيحًا.
الاستماع للمقطع الصوتي
تَتَعَدَّدُ الْأَقْوَالُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ سَأَلْتَ شَيْخًا أَوْ عَالِمًا عَنْ أَيِّ مَسْأَلَةٍ سَيُجِيبُكَ غَالِبًا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ.
وَمَتَاهَةُ الْأَقْوَالِ هَذِهِ تُطِيحُ بِرُؤُوسِ الْكَثِيرِينَ.
فَكَيْفَ تَعْرِفُ الْفَهْمَ الصَّحِيحَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْإِسْلَامِ؟
طَرِيقَتَانِ مَضْمُونَتَانِ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِمَا الشَّكُّ أَبَدًا، وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا تَفِي بِالْغَرَضِ، وَوُجُودُهُمَا مَعًا يَقِينٌ لَا شَكَّ فِيهِ.
الطَّرِيقَةُ الْأُولَى:
أَنْ نَنْظُرَ لِتَطْبِيقِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فِي حَيَاتِهِ، فَهَذَا الْفَهْمُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَشُوبَهُ الْخَطَأُ أَبَدًا.
فَإِنْ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ.
وَقَالَ: مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ.
فَالْكَلَامُ الْخَارِجُ مِنْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: وَاجِبٌ، فَهُوَ وَاجِبٌ، ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الرِّسَالَةِ وَبَلَاغِ الْوَحْيِ وَوَفَاةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَمَنٍ جَاءَ نَاسٌ لَا يُوحَى إِلَيْهِمْ وَقَالُوا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، فَبِكُلِّ يُسْرٍ نَنْظُرُ هَلْ جَاءَ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ؟ أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي حَيَاةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَرَّهُ عَلَى عَمَلِهِ أَوْ عَلَى فَهْمِهِ؟ لَا، إِذَنْ سَقَطَ الْقَوْلُ بِالِاسْتِحْبَابِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا زَمَنَ الْوَحْيِ، فَهُوَ فَهْمٌ مُخْتَرَعٌ حَادِثٌ.
مِثَالٌ آخَرُ، الْخِلَافُ فِي الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ مَسْحُهُ مِنَ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ، النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَهُ بِكَفَّيْهِ وَضَعَهُمَا عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ أَدْبَرَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ أَدْبَرَ بِهِمَا وَأَقْبَلَ.
ثُمَّ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدُ قَالُوا الثُّلُثُ أَوِ الرُّبْعُ أَوْ شَعْرَةٌ أَوْ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ!
وَأَنْتَ الْآنَ تَائِهٌ لَا تَعْرِفُ كَيْفَ تَخْتَارُ مِنْ سُوبَرْمَارْكِتِ الْفُقَهَاءِ!
الْأَمْرُ يَسِيرٌ، كَيْفَ مَسَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ؟ هَلْ ثَبَتَتْ طَرِيقَةٌ أُخْرَى لِلْمَسْحِ فِي حَيَاتِهِ فَعَلَهَا هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي حَيَاتِهِ وَأَقَرَّهُ؟ غَيْرُ هَذَا اخْتِرَاعَاتُ الْبَشَرِ تَرُدُّهَا وَأَنْتَ قَرِيرُ الْعَيْنِ مُطْمَئِنُّ الْقَلْبِ مَهْمَا كَانَ الْقَائِلُ.
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ:
رَدُّ جَمِيعِ الْمَسَائِلِ إِلَى الْمُحْكَمِ مِنَ النُّصُوصِ، وَلَيْسَ الْمُتَشَابِهِ.
فَإِنْ قِيلَ لَكَ أَنَّ الْقِيَاسَ مَصْدَرٌ مِنْ مَصَادِرِ التَّشْرِيعِ، وَأَنَّ دَلِيلَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)
فَإِنَّكَ عَلَى الْفَوْرِ سَتَدْرُسُ مَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَتُدْرِكُ أَنَّهُ مِنْهُ جُزْءٌ بَشَرِيٌّ تُقَرِّرُهُ أَنْتَ وَتُحَدِّدُهُ وَيُخَالِفُكَ غَيْرُكَ فَيُقَرِّرُ غَيْرَهُ وَيُحَدِّدُ غَيْرَهُ، وَهَذَا يَجْعَلُ مَرَدَّ إِنْشَاءِ الْحُكْمِ لِلْبَشَرِ.
فَهَلْ هَذَا مُمْكِنٌ فِي الْإِسْلَامِ؟ هَلْ أَذِنَ اللَّهُ لِلْبَشَرِ بِمُشَارَكَتِهِ فِي إِنْشَاءِ الشِّرْعَةِ لِلنَّاسِ؟
تَذْهَبُ إِلَى الْمُحْكَمَاتِ، فَتَرَى اللَّهَ يَأْمُرُ نَبِيَّهُ نَفْسَهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ فَقَطْ.
وَأَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَلَا يَتَّبِعَ أَهْوَاءَهُمْ.
وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا.
وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ حَصَرَ الِاتِّبَاعَ فِيمَا أَنْزَلَ إِلَيْنَا مِنْهُ وَنَهَى عَنِ اتِّبَاعِ مَا دُونَهُ.
وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِنْشَاءُ شَرْعٍ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ اللَّهِ.
مُجْمَلُ هَذَا كُلِّهِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُوجَدُ سُوءُ فَهْمٍ فِي فَهْمِ (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) وَكَوْنِهَا أَمْرٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ.
فَإِنْ تَمَكَّنْتَ مِنْ دَمْجِ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى أَيْضًا فَهُوَ رَائِعٌ، فَانْظُرْ هَلْ فَهِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا أَمْرٌ بِالْقِيَاسِ وَعَلَّمَ أَصْحَابَهُ هَذَا؟
أَوْ هَلْ فَهِمَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهَا أَمْرٌ بِالْقِيَاسِ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا؟
أَنْتَ الْآنَ يُمْكِنُكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَتَاهَةِ الْأَقْوَالِ، وَمِنْ عِبَادَةِ الْبَشَرِ وَاتِّخَاذِهِمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَالِاخْتِيَارُ لَكَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ.
{ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } [آل عمران:8]
مشاهدة المقطع المرئي