رفع الالتباس عن قضية الاختلاف في تصحيح الحديث وتضعيفه بين الناس
الحمد لله رب العالمين ،
وأصلي علي نبيه الكريم ،
وسائر رسله وأنبياءه أجمعين ،
ربما البعض منا لم يدرك هذا المثال ، لكنه يمكن فهمه بأية حال بلا تعقيد ،
تذكر أول مرة اشتريت هاتفاً محمولاً ؟
أنا أذكر أول هاتف اشتريته ،
موتورولا ستارتاك ، ربما البعض متشوق إلي رؤية صورته !!
هذا هو إذن ، كم هو قديم وعتيق !!
عندما اشتريته لم يكن الأمر كذلك ، بل كان لطيفاً جداً ، بل وكان معقداً جداً ، فما هي هذه القوائم التي يحتويها ؟؟
علي بدائيته كان معقداً جداً وقتها ، ويخطيء المستخدم وهو يستخدمه ، ويرجع إلي دليل المستخدم ، وكأنه يقود مركبة فضائية !!
كان في هذا الجهاز عيب كبير ، وهو أن تقنية الأجهزة التي تفتح وتغلق هكذا لم تكن تقدمت بما يكفي ، فكان يحتاج إلي اصلاح كل شهرين أو ثلاثة .
قررت التغيير إلي نوكيا الاكثر انتشاراً ، فاشتريت الجهاز نوكيا 6610
يالها من نقلة نوعية !!
حتي لا تتسرع في الحكم انظر إلي الصورة
هذه النقلة صاحبها بعض الارتباك ، قوائم مختلفة ، طريقة مختلفة .
بالرغم من أن كل الهواتف ذاك الوقت تبدو الآن متشابهة وضحلة جداً ، إلا أن الانتقال من موتورلا إلي نوكيا احتاج مني إلي بضعة أيام للتأقلم ، بالرغم أنني أري كليهما الآن أقل من لعبة أطفال !!
سارت الأمور كما تسير الحياة ، تطور في الأجهزة ، تعقيد في البرامج ، غيرت عشرات الأجهزة من جميع الماركات حتي ظهر نوكيا E72 ،
الآن حصلت علي ما أتمناه ، هاتف يشبه اللاب نوب ، من الآن انتهي حمل اللاب توب والشاحن والحقيبة كلها .
هذا الجهاز المتطور جداً وقتها استطعت التعامل معه بسهولة بعد بضة أيام ، بعكس كثير ممن أعرفهم ، أخذوا وقتاً طويلاً في التعرف عليه واستخدام قدراته بصورة جيدة لأنه كان النقلة الأولي لهم في هذا المجال .
فجأة خرج علينا أندرويد ، فكانت نقلة جديدة باستخدام توزيعة لينكس علي الهواتف النقالة ، هذه النقة جعلت الهاتف كمبيوتر فعلي صغير .
تري : لو توقفت عند موتورولا ستارتاك ماذا كان سيكون موقفي اليوم ؟ ما هو نظام الهاتف الذي كنت استخدمه اليوم ؟؟ لا أحد يدري ، لكن المتيقين هو أن كثرة الاستخدام ، والارتقاء درجة كل فترة جعلني أتعامل الآن مع أي جهاز من أي نوع بأي نظام تشغيل بسهولة مطلقة .
ما علاقة هذه القصة بموضوع الحديث ؟
الإجابة : أنت تركت تقليد الناس في الملة وفي الفقه ، ثم وقفت عند موتورولا في الحديث أو في أفضل الأحوال نوكيا 6110 .
عند الاختلاف تري الأمر معقداً عليك ، تتوه ، تحتار ، لأنك اخترت التوقف عند موتورولا أو نوكيا ، التوقف هنا كان اختيارك ، توقفت من باب أن هناك من يقوم بالأمر ، وأنت تثق بهم !!
الآن قد اختلف هؤلاء الذين تثق بهم ، الصعيدي يقول أبو اسماء الرحبي لم يجرحه أحد فهو ثقة !!
فيرد أحدهم فيقول : بل لم يحتج به البخاري ولم يوثقه معتبر فهو ضعيف !!
فيرد ثالث : جمع حديثه يدل علي أنه لا يحتج به !!
وتبقي أنت في حيرتك ، هل آخذ بتوثيق الصعيدي الذي له بضع وأربعون عاماً في هذا العمل ؟
أم آخذ بالأقوال الأخري التي جاءت من ناس تعلموا عنده وليسوا في خبرته ؟
أم آخذ بقول فلان او علان ؟؟؟
أنت من وضع نفسه في هذه الورطة ، صحيح ؟؟
ثم يأتيك شيطانك : كيف يكون ما يختلفون فيه هكذا وحي ؟؟؟
هل يوجد اختلاف في الوحي ؟؟
أليس هذا دليل علي أن الحديث ليس بوحي ؟؟
كل هذا كان اختيارك ، لأنك توقفت عند موتورولا !!
فلا تلق اللوم علينا لأننا بذلنا مقدرتنا واختلفنا ، سل نفسك : أين أنا من هذا كله ؟؟
المبحث الأول : هل الخلاف الواقع بين الناس علي ثبوت شيء من عدمه يبطل أصل هذا الشيء ؟
هذه نقطة محورية في هذا البحث ، يجب فهمهما جيداً ، وسأضرب الأمثال لتوضيحها ،
– بعيداً عن الإيمان بالأديان والغيب ـ الناس اختلفت في وجود الله سبحانه ، فمنهم من قال أن الحياة وجدت بمحض المصادفة عن طريق انفجار عظيم ، وأنه لا وجود لخالق ، بل كل شيء حدث بمحض صدفة ، بينما قال فريق آخر من الناس كيف يمكن أن يحدث شيء بمحض الصدفة ويبقي مستمراً بكل هذه التفاصيل الدقيقة الفائقة الكثرة بمحض الصدفة ؟؟ هذا نظام متقن موضوع مخترع لا يمكن أن يحدث بمحض الصدفة أبداً .
هنا اختلف هؤلاء الناس في اثبات صحة وجود خالق للكون ، فريق يقول نعم وفريق يقول لا ،
السؤال هو : هل وجود هذا الاختلاف يؤثر علي إيمانك بأن الله سبحانه هو فاطر الكون وخالق كل شيء ؟؟
– اختلف الناس في النبوات ، وفي وجود الأنبياء ، فمنهم من يقول أن الأنبياء وقصصهم مجرد أساطير تناقلتها الأجيال ، جيل عن جيل ، ولا تخلو من مجازفات كبيرة وكثيرة لا يقبلها العقل ولا المنطق ، والفريق الآخر يؤمن بالنبوات ، وبأن الله سبحانه أرسل إلي خلقه رسلاً مبشرين ومنذرين ، وأنه سبحانه أوحي إليهم وحياً ،
هذا الاختلاف بين الناس لا ينفي حقيقة الأمر ألا وهي أن الله سبحانه أرسل الرسل إلي عباده مبشرين ومنذرين ،
نعم قد نختلف هل كان الخضر مثلا نبيا رسولاً أم نبي فقط ؟؟؟لكن هذا أيضاً لا ينفي أصل القضية في أنه نبي ،
وفي أن الأنبياء حق بشهادة أكثر البشر وبما تواتر من الأخبار عن وجودهم ودعوتهم أقوامهم إلي عبادة الله وحده ، مع عدم حصولهم علي مكانة أو رفعة أو سلطة أو مال ، بل علي عكس ذلك التكذيب والتنكيل والسب والضرب .
كون الناس قد اختلفوا في النبوات فهذا الاختلاف لا يعني أنه لا توجد نبوات ، بل يعني أن بعض الناس قد أخطأؤا في تقديرهم للأمر .
– اختلفت أمة الاسلام في ( بسم الله الرحمن الرحيم ) هل هي آية من الفاتحة أم لا ؟؟
فقالت طائفة : هي آية من الفاتحة وليست آية من غيرها ، وكتبوها في المصاحف برقم ( 1 ) في سورة الفاتحة .
وقالت طائفة : بل هي ليست آية من الفاتحة ولا غيرها ، وكتبوا ( الحمد لله رب العالمين ( 1 ) )
هل هذا الاختلاف في كون البسملة آية من الفاتحة أم لا يغير شيئاً من ثبوت الفاتحة أو القرآن الكريم ؟
فكون الناس قد اختلفوا في هذا ، فلا يعني أن القرآن باطل ، أو أن الفاتحة لا أصل لها ، أو أنها ليست وحياً فطالها الخلاف .
وإذا دققت النظر أكثر ستجد اختلافات القراء ، والقراءات الشاذة ، وهذا كله لا يعني بطلان القرآن ، أو أنه ليس وحياً طالما طاله الاختلاف ، بل منتهي القضية هو وقوع الخطأ من بعض الناس في النفي أو الإثبات لا غير .
وإذا دققت النظر أكثر ستجد الناس قد اختلفوا في كل شيء تقريباً من أمر الدين والدنيا ، وهذا لا يعني بالضرورة الطعن في هذه القضايا أو إلغائها أو اعتبارها طالها التحريف ، بل المنتهي هو أن البعض قد أخطأ في تصوره هو للأمر لا في حقيقة الأمر نفسه .
فإذا اختلف الناس في صحة حديث وثبوته ، فلا يعني هذا أن الحديث ليس وحياً ، ولا يعني أن الحديث قد طاله التحريف ، بل منتهي ما يعنيه هذا أن شخصاً ما قد أخطأ في حكمه علي الحديث أو علي أحد رواته أو علي علة فيه .
هل خطأ هذا الشخص هو الحكم علي وحي الله سبحانه ؟؟؟
هل خطأ هذا الشخص ينفي السنة ؟
هل خطأ هذا الشخص يثبت أن السنة قد طالها التحريف وأنها ليست وحياً ؟؟؟
الإجابة واضحة .
المبحث الثانى : هل الاختلاف على شيء يطمس الحق من الأقوال ؟
فى نظرية الأكوان المتعددة يوجد ثلاثة أدلة تؤيد هذه النظرية ، وبالرغم من أن الثلاثة أدلة لا ترقى لمرتبة الأدلة لكنها مجرد احتمالات تخيلية ، إلا أن واحداً منها يصلح كمثال هنا ، ألا وهو القطة المحبوسة في صندوق .
هذا الدليل ببساطة مبنى على حبس قطة فى صندوق ، مع مادة مشعة ، ثم اغلاق الصندوق ،
السؤال : هل القطة حية أم ميتة ؟
إن قلت حية لأن المادة المشعة لم تتحلل فأنت محق لأن هذا احتمال !! ، فإن لم تتحلل المادة المشعة لن تموت القطة .
وإن قلت ميتة فأنت محق لأن هذا احتمال ، فإن تحللت المادة فقطعاً ستموت القطة .
خلصوا من هذه النظرية العقيمة إلى أنه يوجد عالمان أحدهما القط فيه حى ، والآخر القط فيه ميت ،
عالم تحللت فيه المادة المشعة ، وعالم لم تتحلل فيه المادة المشعة .
ولأن هذه القضايا تبنى على نظريات خيالية فى أكثر الأوقات فالحل العملى الوحيد هو فتح الصندوق لمعرفة هل تحللت المادة المشعة وماتت القطة أم لم تتحلل وبقيت القطة على قيد الحياة .
هذا هو الذى سنفعله ، سنفتح الصندوق وننظر بأنفسنا ،
سندقق ، ونبحث ، فى كل حديث حدث فيه الاختلاف ،
فلا يمكن فى ديننا أن تكون المادة تحللت ولم تتحلل فى فى نفس الوقت ،
بل هو قول واحد ، فلا يمكن أن يكون الحديث قد قاله نبى الله صلى الله عليه ولم يقله فى نفس الوقت ، ولهذا لا بديل عن فتح الصندوق بأنفسنا .
فكل حديث اختلف فيه الناس صحة وضعفاً ، منذ عصر التدوين إلى يومنا هذا يجب فتح صندوقه ،
جمع كل طرقه
دراسة كل رجاله ورواياتهم
البحث عن علله
حتى يتبين الحق القاطع فى صحة الحديث من عدمه .
نحن إذاً لسنا فى حيرة من أمرنا ، بل فى تكاسل وألويات هى أهم وأقوى من الدافع للبحث وفتح الصندوق !!
المبحث الثالث : هل يجب معرفة الحق فى الخلاف على صحة الحديث فوراً وحالاً ؟