بيان عدم معرفة أبي الفضل المصري بعلم النقل 1

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

الاستماع للمقطع الصوتي

فِي سِيَاقِ الرَّدِّ عَلَى جَهَالَاتِ بَعْضِ الْمُخَالِفِينَ شَاهَدْتُ مَقْطَعًا عَلَى يُوتِيُوبْ لِأَبِي الْفَضْلِ مَاهِرٍ الْمِصْرِيِّ، وَبِالْمُنَاسَبَةِ أُحِبُّ أَنْ أَذْكُرَ سَبَبَ عَدَمِ إِكْثَارِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ، أَلَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ فِي دِينِ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُ كَلَامِهِ فِي أَقْوَالِ الرِّجَالِ وَالتَّوْفِيقِ بَيْنَهَا وَلَيْسَ فِي الْوَحْيِ أَوْ بِالْوَحْيِ، نَرْجِعُ إِلَى سِيَاقِنَا فِي هَذَا الْمَقْطَعِ يَذْكُرُ أَبُو الْفَضْلِ حَدِيثًا عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ يُبَيِّنُ حَقِيقَةَ مُسْتَوَاهُ الْعِلْمِيِّ كَيْ لَا يَغْتَرَّ بِهِ مَنْ يُشَاهِدُونَهُ.

يَرْوِي أَبُو الْفَضْلِ الْمِصْرِيُّ فِي مَقْطَعِهِ حَدِيثًا: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ: الْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ».

وَيَنْقُلُ تَخْرِيجَ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا يَلِي:

الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.

الْخَطِيبُ فِي الْفَقِيهِ وَالْمُتَفَقِّهِ، لَمْ أَجِدْهُ فِي الْفَقِيهِ وَالْمُتَفَقِّهِ لِلْخَطِيبِ.

وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي جَامِعِ بَيَانِ الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ.

وَابْنُ شَاهِينَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، فِي الْحَقِيقَةِ لَا أَعْلَمُ كِتَابًا لِابْنِ شَاهِينَ اسْمُهُ شَرْحُ السُّنَّةِ، لَكِنْ رُبَّمَا يَقْصِدُ شَرْحَ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهَذَا شَيْءٌ مُخْتَلِفٌ فَالْأَوَّلُ يَتَعَلَّقُ بِكَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِهِ، وَالثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِشَرْحِ أَفْهَامِ الْمُخْتَلِفِينَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ هَذَا الْحَدِيثَ.

وَيَنْقُلُ (تَحْسِينَ) ابْنِ شَاهِينَ بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ عَدَمِ تَخْرِيجِ ابْنِ شَاهِينَ لِلرِّوَايَةِ ، وَالْأَلْبَانِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُتَطَفِّلِينَ عَلَى عِلْمِ الْحَدِيثِ لِلْحَدِيثِ.

قَطْعًا أَبُو الْفَضْلِ لَا يَعْرِفُ مَا هُوَ الْحَسَنُ فِي مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا الْأَلْبَانِيُّ يَعْرِفُ، وَبِنَاءً عَلَى هَذَا فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

فَإِنْ ذَهَبْنَا فِي رِحْلَةٍ إِلَى الْقُرُونِ الْأُولَى وَبَحَثْنَا أَقْوَالَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَنَجِدُ التَّالِيَ:

عَنِ الصَّعْقِ بْنِ حَزْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ الْجُعْدِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، فَذَكَرَهُ.

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ، لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ أَبِي إِسْحَاقَ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عُقَيْلٌ هَذَا أَعْرَابِيًّا، وَالصَّعْقُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. «عِلَلُ الْحَدِيثِ» (١٩٧٧). يَعْنِي الصَّعْقُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَعُقَيْلٌ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَعْرَابِيًّا شِبْهُ مَجْهُولٍ!

 * وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي «الضُّعَفَاءِ» ٥/ ٢١، فِي إِفْرَادَاتِ عُقَيْلٍ، وَقَالَ: عُقَيْلٌ الْجُعْدِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، حَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ. حَدَّثَنِي آدَمُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ: عُقَيْلٌ الْجُعْدِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.

 * وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ ابْنَ حَمَّادٍ يَقُولُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: عُقَيْلٌ الْجُعْدِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عُقَيْلٌ الْجُعْدِيُّ لَمْ يُنْسَبْ، وَإِنَّمَا لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. «الْكَامِلُ» ٧/ ١٠٠.

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِلَّا عُقَيْلٌ، تَفَرَّدَ بِهِ الصَّعْقُ.

وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ بَعْدَ أَنْ رَوَى الْحَدِيثَ: وَفِيهِ عُقَيْلُ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.

ضعف حديث أوثق عرى الإيمان

لَدَيْنَا الْآنَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْكِبَارِ، ذَكَرُوا عِلَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ صَرَاحَةً، أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَهُوَ لَمْ لَا يَعْرِفُهُ هُوَ مُدُّ الْبُخَارِيِّ وَمُنَافِسُهُ الْأَوْحَدُ فِي عَصْرِهِ وَهُوَ فَوْقَ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَغَيْرِهِ فِي الْعِلَلِ وَنَقْدِ الرِّجَالِ وَتِلْمِيذُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَلَدَيْنَا الْبُخَارِيُّ شَخْصِيًّا. وَلَدَيْنَا ابْنُ عَدِيٍّ الَّذِي ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الضُّعَفَاءِ كَسَبَبٍ لِتَضْعِيفِ هَذَا الرَّاوِي تَحْدِيدًا، وَالطَّبَرَانِيُّ الَّذِي خَرَّجَ الْحَدِيثَ فِي مُعْجَمِهِ، وَلَدَيْنَا مُتَأَخِّرٌ صُوفِيٌّ أَشْعَرِيٌّ وَهُوَ الْهَيْثَمِيُّ نَقَلَ هَذَا عَنِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا.

لِنَعُدْ إِلَى قِصَّتِنَا الْأُولَى، الشَّيْخُ أَبُو الْفَضْلِ لَمَّا بَحَثَ عَنِ الْحَدِيثِ وَجَدَهُ قَدْ حَسَّنَهُ ابْنُ شَاهِينَ وَالْأَلْبَانِيُّ فِي الصَّحِيحَةِ فَقَامَ بِرِوَايَتِهِ وَذِكْرِهِ فِي دَرْسٍ لَهُ.

هُنَا عِنْدَمَا مَسَائِلُ:

الْأُولَى: 

أَبُو الْفَضْلِ الْمِصْرِيُّ لَا يُحْسِنُ الْبَحْثَ، بَلْ يَكْتَفِي رُبَّمَا بِالدُّرَرِ السُّنِّيَّةِ أَوْ مَا شَابَهَ مِنْ تَحْقِيقِ مُحَقِّقٍ عَلَى كِتَابٍ هُوَ لَا يَعْرِفُ مِنْهُجَهُ وَلَا طَرِيقَةَ حُكْمِهِ عَلَى الْحَدِيثِ.

الثَّانِيَةُ: 

أَنَّ كُتُبَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ لَيْسَتْ فِي نِطَاقِ اهْتِمَامِهِ وَبَحْثِهِ، فَتَعْلِيلُ هَذَا الْحَدِيثِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبٍ:

 * عِلَلُ الْحَدِيثِ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ.

 * وَالضُّعَفَاءِ لِلْعُقَيْلِيِّ.

 * الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ.

 * وَأَيْضًا عِنْدَ الْهَيْثَمِيِّ.

وَالْحَدِيثُ طَرَحَهُ أَصْحَابُ الصِّحَاحِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ فَلَمْ يُعَرِّجُوا عَلَيْهِ.

الثَّالِثَةُ: 

أَنَّ أَبَا الْفَضْلِ جَاهِلٌ بِعِلْمِ النَّقْلِ، يُعَوِّلُ فِيهِ عَلَى آرَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِطَرِيقَةٍ سَطْحِيَّةٍ وَلَا يَفْهَمُ اصْطِلَاحَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ.

الرَّابِعَةُ: 

كَيْفَ لِمَنْ جَهِلَ عِلْمَ النَّقْلِ وَتَحْقِيقَ الْأَقْوَالِ فِيهِ أَنْ يَتَصَدَّرَ لِمَسَائِلَ عَقَدِيَّةٍ وَفِقْهِيَّةٍ وَحُكْمٍ عَلَى النَّاسِ بِالصَّوَابِ وَالْخَطَأِ؟ وَهَذِهِ هِيَ الْأَخْطَرُ، فَلَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُ وَسَكَتَ لَكَفَى النَّاسَ شَرَّهُ.

هَلْ فَكَّرْتَ يَا أَبَا الْفَضْلِ لِمَ الْأَلْبَانِيُّ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَطْ هُمْ مَنْ حَكَمُوا عَلَيْهِ بِالْحُسْنِ؟

هَلْ عَلِمْتَ مَعْنَى الْحَسَنِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَعِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَارَنْتَ وَدَرَسْتَ وَرَجَّحْتَ لِتَفْهَمَ مَاذَا يَقْصِدُ ابْنُ شَاهِينَ ؟ بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ عَدَمِ تَخْرِيجِ ابْنِ شَاهِينَ لِلرِّوَايَةِ .

هَلْ عَلِمْتَ فَفَكَّرْتَ لِمَ طَرَحَ الْمُتَقَدِّمُونَ أَصْحَابُ الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَضَعُوهُ فِي كُتُبِهِمْ؟ بَيْنَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ الْمُصَنَّفَاتِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا شُرُوطٌ فِي تَدْوِينِ الْحَدِيثِ؟ أَمْ لَمْ تَعْلَمْ أَصْلًا بِهَذَا التَّعْلِيلِ؟

إِنْ كُنْتَ قَدْ عَلِمْتَ فَهَلْ وَزَنْتَ الْبُخَارِيَّ وَأَبَا حَاتِمٍ وَالْعُقَيْلِيَّ بِالْأَلْبَانِيِّ بَلْ وَرَجَّحْتَ بِهِمْ! هَلْ هَذَا مَا فَعَلْتَهُ؟

هَلْ تَعْلَمُ يَا أَبَا الْفَضْلِ عَوَاقِبَ تَحْسِينِ حَدِيثِ رَاوٍ كَهَذَا عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَثَرَهُ عَلَى عِلْمِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالْعِلَلِ بِالْمَعْنَى الْمَعْرُوفِ لِلْحَسَنِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ؟

هَلْ تَفْهَمُ كَلَامَ الْبُخَارِيِّ وَأَبِي حَاتِمٍ وَالْعُقَيْلِيِّ وَالطَّبَرَانِيُّ أَمْ تَمَّ هَدْرُ دَمِهِ بِتَحْسِينِ الْأَلْبَانِيِّ؟

أَنَا أَعْرِفُ أَنَّكَ لَا تَعْرِفُ.

نَصِيحَتِي لَكَ أَنْ تَتَعَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي أُمُورٍ تُهْلِكُ بِهَا نَفْسَكَ وَغَيْرَكَ.

{  رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ  } [آل عمران:8]

شاهد المقطع المصور المختصر

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *