الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
فى حقبة حكم السلطان عبد الحميد الثانى حاكم آخر دولة جمعت بلاد المسلمين جغرافياً ومعنوياً حصلت الكثير من الأحداث الكبيرة والصغيرة على المستويين العام والخاص .
عندما تنظر إلى هذه الأحداث بعد قرن وربع من الزمان ترى وتجزم أن كل اختيار تختاره أو عمل تؤديه ربما تكون له عواقب لا يمكنك التنبوء بحجمها الآن .
مثلاً الصراعات بين الأميرات داخل قصر الحكم على أشياء تافهة كان لها تأثير مباشر على أعمال الدولة ، وكذا الصراعات بين الأمراء الصغار لمجرد الرغبة في الظهور أو كسب رضا السلطان .
صراعات تافهة وصغيرة جعلت الجميع يحيك المؤمرات ضد الجميع ، وفتحت الأبواب لدخول العدو إلى الداخل نتيجة لهذه الصراعات !
لو جئنا وقتها لأميرة وقلنا لها إن تنافسك مع أميرة أخرى على حب أحد العاملين بالقصر سيؤدى في نهاية المطاف إلى هدم هذه الدولة لم تكن لتأخذ كلامنا على محمل الجد أبداً .
ولو قلنا للأمراء أن زيارتكم المستمرة لأوروبا ستكون سبباً لهدم هذه الدولة وتفككها لسخروا من كلامنا .
ولو قلنا أن هذه الكذبات البريئة الصغيرة التى تكذبونها على المستوى العائلى والشخصي ستمزق هذه الدولة الكبيرة لسخروا من كلامنا !
هي أشياء تبدو تافهة لا علاقة لها بالحكم ولا العسكرية ولا الاستخبارات ولا حتى الاقتصاد ، إنها مرح الشباب والشابات ، ماله وللدولة ؟
لكن هذه الصراعات التافهة والتصرفات الصغيرة ساعدت على اختراق مراكز القيادة في حكم الدولة وجعلت القضاء عليها وتفكيكها أسهل .
فإذا نظرت إلى ثراء دول الخليج اليوم من البترول والغاز فإن هذا اليوم كان ربما سيكون بيد الدولة العثمانية والتى مقرها تركيا الحالية ، يعنى هذه الأموال الطائلة كان سيكون مكان وجودها الآن في العاصمة التركية ، وسيكون أهل الخليج أفقر بكثير مما هم عليه الآن ، ربما سيصيبهم بعض الخير من هذه الاستكشافات ، لكن القسم الأكبر كان سيذهب إلى عاصمة الدولة وحكومتها وشركاتها وأثرياءها ، وربما كنت لن تسمع اسم ( دبي ) أو ( الرياض ) أبداً ، هذه العمالة الأجنبية بجميع طوائفها كانت ستكون تعمل في ( تركيا ) وليس الخليج ، وهكذا كل تغيير حصل في ( جزيرة العرب )كان سيكون مكان حصوله هو ( تركيا ) ، يعنى مصير ملايين البشر وحياتهم وعادتهم وكل شئ كان سيتغير لو لم تحصل هذه الأحداث !
هذا التصور هو مجرد قشور من الفارق بين الواقعين إذا لم يحصل ما حصل ، لكن الصورة الحقيقية أوسع وأعقد من أن نتصورها فهي داخلة في كل تفاصيل الحياة حرفياً .
معنى هذا أن كل اختيار تختاره في حياتك ، كل عمل تقوم به ، كل تصرف ، فإن له تأثيره على المستقبل قصرت مدة ظهور هذا التأثير أم طالت ، كان هذا الاختيار في نظرك عملاً ضخماً أو من توافه الأمور ، فإنه سيكون له آثار تحصل في المستقبل ، قال تعالى :
{ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } [يس:12]
ما قدموا : أي الذي عملوه وهم أحياء بإرادتهم
وآثارهم : أي المترتب على ما قدموا بعد وفاتهم
فالوحي قد أعلمنا بأن آثارنا موجودة مكتوبة سنحاسب عليها ، والواقع والتاريخ أخبرنا أن ما تراه صغيراً وتافهاً اليوم قد يهدم دولاً وأمماً بعد سنوات .
فلننظر من الآن لكل عمل ، لكل اختيار ، لكل تصرف على أن تأثيره ليس لحظياً ، بل له آثار ستمتد لسنوات وربما لعقود وربما لقرون ، ولنحسن اتخاذ القرارات ولنحسن الاختيارات إن أردنا أن نترك آثاراً طيبة تُخرِج الأمة من تيهها .