البحث عن أصل : يا جبريل مالى أراك متغير اللون ؟

 انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي هذا المنشور الذي يحكى عن نزول جبريل عليه السلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فرآه النبي متغير اللون ، فسأله عن السبب ، ودار بينهما الحوار المذكور في المنشور .


قام فريق المعرفة بالبحث عن أصل هذه الرواية في كتب الإسلام المسندة ، فلم نجد لها أصلاً في القرون الثلاثة الأولى من الإسلام ، وإنما ظهرت هذه الرواية في القرن الرابع الهجري في كتاب تنبيه الغافلين لأبي الليث السمرقندي المتوفي ٣٧٥ من الهجرة .
وحيث أن هذا الحديث لم يروى أبدًا على مدار ثلاثة قرون في أي كتاب فهذا يجعل من ظهوره فجأة في كتاب من القرن الرابع موضع تساؤل واستغراب ، إذ كيف وصل الحديث إلى القرن الرابع دون أن يمر على القرون الثلاثة السابقة ؟
ومما يثير مزيد شكوك حول هذا الحديث أنه من رواية أنس بن مالك الصحابي المعروف ، وهو من المكثرين من الرواية وله كثير من الرواة الثقات ، ولم يروي أحد منهم هذا عنه .
روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ساعةٍ ما كان يأتيه فيها متغيّر اللون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (( مالي أراك متغير اللون )) فقال: يا محمد جئتُكَ في الساعة التي أمر الله بمنافخ النار أن تنفخ فيها، ولا ينبغي لمن يعلم أن جهنم حق، و أن النار حق، وأن عذاب القبر حق، وأن عذاب الله أكبر أنْ تقرّ عينه حتى يأمنها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا جبريل صِف لي جهنم )) قال: نعم، إن الله تعالى لمّا خلق جهنم أوقد عليها ألف سنة فاحْمَرّت، ثم أوقد عليها ألف سنة فابْيَضّت، ثم أوقد عليها ألف سنة فاسْوَدّت، فهي سوداء مُظلمة لا ينطفئ لهبها ولا جمرها . والذي بعثك بالحق، لو أن خُرْم إبرة فُتِحَ منها لاحترق أهل الدنيا عن آخرهم من حرّها .. والذي بعثك بالحق، لو أن ثوباً من أثواب أهل النار عَلِقَ بين السماء و الأرض، لمات جميع أهل الأرض من نَتَنِهَا و حرّها عن آخرهم لما يجدون من حرها .. والذي بعثك بالحق نبياً ، لو أن ذراعاً من السلسلة التي ذكرها الله تعالى في كتابه وُضِع على جبلٍ لَذابَ حتى يبلُغ الأرض السابعة .. والذي بعثك بالحق نبياً ، لو أنّ رجلاً بالمغرب يُعَذّب لاحترق الذي بالمشرق من شدة عذابها .. حرّها شديد ، و قعرها بعيد ، و حليها حديد ، و شرابها الحميم و الصديد ، و ثيابها مقطعات النيران ، لها سبعة أبواب، لكل باب منهم جزءٌ مقسومٌ من الرجال والنساء . فقال صلى الله عليه وسلم: (( أهي كأبوابنا هذه ))؟! قال: لا ، ولكنها مفتوحة، بعضها أسفل من بعض، من باب إلى باب مسيرة سبعين سنة، كل باب منها أشد حراً من الذي يليه سبعين ضعفاً ، يُساق أعداء الله إليها فإذا انتهوا إلى بابها استقبلتهم الزبانية بالأغلال و السلاسل، فتسلك السلسلة في فمه وتخرج من دُبُرِه ، وتُغَلّ يده اليسرى إلى عنقه، وتُدخَل يده اليمنى في فؤاده، وتُنزَع من بين كتفيه ، وتُشدّ بالسلاسل، ويُقرّن كل آدمي مع شيطان في سلسلة ، ويُسحَبُ على وجهه ، وتضربه الملائكة بمقامع من حديد، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أُعيدوا فيها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ سكّان هذه الأبواب ))؟! فقال: أما الباب الأسفل ففيه المنافقون، ومَن كفر مِن أصحاب المائدة، وآل فرعون ، واسمها الهاوية .. و الباب الثاني فيه المشركون و اسمه الجحيم و الباب الثالث فيه الصابئون و اسمه سَقَر .. و الباب الرابع فيه إبليس و من تَبِعَهُ ، والمجوس ، و اسمه لَظَى .. و الباب الخامس فيه اليهود و اسمه الحُطَمَة و الباب السادس فيه النصارى و اسمه العزيز ، ثم أمسكَ جبريلُ حياءً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له عليه السلام: ((ألا تخبرني من سكان الباب السابع ))؟! فقال: فيه أهل الكبائر من أمتك الذين ماتوا و لم يتوبوا . فخَرّ النبي صلى الله عليه وسلم مغشيّاً عليه، فوضع جبريل رأسه على حِجْرِه حتى أفاق، فلما أفاق قال عليه الصلاة و السلام: (( يا جبريل عَظُمَتْ مصيبتي ، و اشتدّ حزني ، أَوَ يدخل أحدٌ من أمتي النار ؟؟؟ )) قال: نعم ، أهل الكبائر من أمتك . . ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبكى جبريل
وأيضاً يزيد الرقاشي الذي يفترض أنه راوي هذا الحديث عن أنس ليس ممن يعتد بروايتهم عند علماء الحديث .
أضف إلى هذا كله أن كتاب تنبيه الغافلين الذي تفرد برواية هذا الحديث مكتظ ممتلئ بالأحاديث الموضوعة المكذوبة وشديدة الضعف .
هذه القرائن مجتمعة تؤكد أن هذا الحديث من الموضوعات المكذوبات وليس له أي أصل صحيح .

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *