الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
الاستماع للمقطع الصوتي
فِي سِيَاقِ الرَّدِّ عَلَى جَهَالَاتِ بَعْضِ الْمُخَالِفِينَ شَاهَدْتُ مَقْطَعًا عَلَى يُوتِيُوبْ لِأَبِي الْفَضْلِ مَاهِرٍ الْمِصْرِيِّ، اسْتَمِعْ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِلَى التَّعْلِيقِ.
يَقُولُ أَبُو الْفَضْلِ الْمِصْرِيُّ، مُخَاطِبًا أَحَدَ مُخَالِفِيهِ مِنَ الَّذِينَ يَهْجُمُونَ عَلَى الْأَشَاعِرَةِ مُلْزِمًا إِيَّاهُ بِقَوْلِ أَحَدِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَنْقُلُ مُخَالِفُ أَبِي الْفَضْلِ مِنْ كُتُبِهِمْ قَائِلًا أَنَّ هَذَا الْعَالِمَ الَّذِي لَمْ يُسَمِّهِ تَمْوِيهًا قَدْ ذَكَرَ أَنَّ الْخَطِيبَ الْبَغْدَادِيَّ أَحْمَدَ بْنَ ثَابِتٍ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ، وَيَسْأَلُ أَبُو الْفَضْلِ مُخَالِفَهُ: هَلْ تَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي الْخَطِيبِ؟ ثُمَّ يُسَارِعُ بِتَذْكِيرِ هَذَا الْمُخَالِفِ أَنَّهُ إِنْ قَبِلَ هَذَا الْقَوْلَ فِي الْخَطِيبِ فَسَتَسْقُطُ جَمِيعُ الْأَقْوَالِ وَالطُّعُونِ فِي نُعْمَانَ بْنِ ثَابِتٍ أَبِي حَنِيفَةَ!
وَكَأَنَّهُ يَضَعُ هَذَا الْمُخَالِفَ بَيْنَ شَقَيِ الرَّحَى بِدَهَاءٍ مُتَوَهَّمٍ!
سَأُعَلِّقُ فِي هَذَا الْمَقْطَعِ عَلَى الشِّقِّ الْخَاصِّ بِأَبِي حَنِيفَةَ وَجَرَائِمِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلِي تَعْلِيقٌ آخَرُ بِخُصُوصِ مُجْمَلِ مَقْطَعِ أَبِي الْفَضْلِ وَمَا جَاءَ فِيهِ.
أَمَّا بِخُصُوصِ الْمَقُولَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْمُتَوَفَّى ٤٦٣ مِنَ الْهِجْرَةِ يَعْنِي مِنْ رِجَالِ الْقَرْنِ الْخَامِسِ، يَعْنِي قَضِيَّةُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ لِلرُّوَاةِ وَنَقْلِ الْأَسَانِيدِ كَانَتْ شَرَفِيَّةً وَقْتَهَا، فَالْأَقْوَالُ كَانَتْ مُدَوَّنَةً بِالْفِعْلِ فِي يَدِ طُلَّابِ الْعِلْمِ مُذْ قَرْنَيْنِ مِنَ الزَّمَانِ، بَلْ مَا وَقَعَ لِلْخَطِيبِ فِي زَمَانِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُدَوَّنًا عِنْدَ مَنْ سَبَقَهُ مَعْرُوفًا عَنْهُمْ فَهَذَا طَعْنٌ فِي الرِّوَايَةِ يَفْهَمُهُ كُلُّ مُشْتَغِلٍ بِعِلْمِ الْحَدِيثِ وَالنَّقْلِ.
أَنْتَ مَنْ يَحْتَاجُ الْخَطِيبَ يَا أَبَا الْفَضْلِ، فَلَنْ تَجِدَ نَقْلًا وَاحِدًا فِي مَدْحِ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَّا عِنْدَ الْخَطِيبِ، أَمَّا فِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ فَلَنْ تَجِدَ.
أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَا نَحْتَاجُ الْخَطِيبَ وَلَا غَيْرَهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ لِلطَّعْنِ فِيهِ، بَلْ قَدْ كَفَانَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَنْ سَبَقَهُمْ وَمَنْ عَاصَرَهُمْ هَذَا تَمَامًا.
يُمْكِنُكَ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا جَاءَ مِنْ أَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ فِي أَبِي حَنِيفَةَ مِنَ الرَّابِطِ فِي التَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ.
أَمَّا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ صَاحِبُ الصَّحِيحِ فَقَدِ اتَّهَمَ أَبَا حَنِيفَةَ بِالْوَضْعِ فِي كِتَابِهِ التَّمْيِيزِ، وَأَنَّهُ زَادَ فِي أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ نُصْرَةً لِمَذْهَبِهِ فِي الْإِرْجَاءِ فَقَالَ:
فَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، فِي مَتْنِ هَذَا الْحَدِيثِ إِذْ قَالَ فِيهِ: إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ. فَهَذِهِ زِيَادَةٌ مُخْتَلَقَةٌ، لَيْسَتْ مِنَ الْحُرُوفِ بِسَبِيلٍ. وَإِنَّمَا أَدْخَلَ هَذَا الْحَرْفَ – فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ– شِرْذِمَةٌ زِيَادَةً فِي الْحَرْفِ مِثْلَ ضَرْبِ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ وَمَنْ يَرَى الْإِرْجَاءَ نَحْوَهُمَا.
وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِذَلِكَ تَصْوِيبًا فِي قَوْلِهِ فِي الْإِيمَانِ. وَتَعْقِيدُ الْإِرْجَاءِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَزِدْ قَوْلُهُمْ إِلَّا وَهْنًا، وَعَنِ الْحَقِّ إِلَّا بُعْدًا، إِذْ زَادُوا فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ مَا كَفَى بِأَهْلِ الْعِلْمِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ إِدْخَالِهِمُ الزِّيَادَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ وَسُفْيَانَ رَوَيَاهُ عَنْ عَلْقَمَةَ فَقَالَا: قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِسْلَامُ؟ وَعَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ النَّاسِ بَعْدُ مِثْلَ: سُلَيْمَانَ، وَمَطَرٍ، وَكَهْمَسٍ، وَمُحَارِبٍ، وَعُثْمَانَ، وَحُسَيْنِ بْنِ حَسَنٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْحُفَّاظِ، كُلُّهُمْ يَحْكِي فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَا الْإِسْلَامُ؟ وَلَمْ يَقُلْ: مَا شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ؟ كَمَا رَوَتِ الْمُرْجِئَةُ.
كَمَا تَرَى فَإِنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّهُ سَاقَ الدَّلِيلَ عَلَى اتِّهَامِهِ لِهَذَا الْوَضَّاعِ الْكَذَّابِ بِزِيَادَةِ لَفْظَةٍ فِي الْحَدِيثِ لِتُوَافِقَ مِلَّتَهُ الْإِرْجَائِيَّةَ.
فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا طَعْنُ مُسْلِمٍ فِيهِ لَكَفَى الْعُقَلَاءَ الَّذِينَ هَمُّهُمْ وَغَيْرَتُهُمْ لِلْإِسْلَامِ وَلَيْسَ لِلْأَشْخَاصِ.
وَأَمَّا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ الْإِمَامُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ عَدَمُ تَصْدِيقِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي صِيَغِ التَّحَمُّلِ:
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ نَا أَبِي نَا الْحُمَيْدِيُّ نَا وَكِيعٌ نَا أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَطَاءً إِنْ كَانَ سَمِعَهُ.
الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ
فَهُوَ يَشُكُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي قَالَهُ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَطَاءً!
يَعْنِي الرَّجُلُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ!
أَمَّا الدُّورِيُّ فَقَدْ رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ:
سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ صَاحِبُ الرَّأْيِ قَدْ سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ بِنْتِ عَجْرَدٍ فِيمَا قَالَ. رِوَايَةُ الدُّورِيِّ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ.
فَأَبُو حَنِيفَةَ عِنْدَهُمْ مَحَلُّ شَكٍّ وَاتِّهَامٍ، إِعْدَادُهُ الِافْتِرَاضِيُّ هُوَ الْكَذِبُ وَلَيْسَ الصِّدْقَ، فَيَشُكُّونَ فِي مَا يَقُولُهُ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُ كَذَّابٌ.
أَمَّا مَالِكٌ فَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ التَّالِي:
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: كَانَ عِنْدَنَا عَلْقَمَةُ، وَالْأَسْوَدُ. فَقَالَ: قَدْ كَانَ عِنْدَكُمْ مَنْ قَلَبَ الْأَمْرَ هَكَذَا. وَقَلَبَ أَبِي كَفَّهُ عَلَى ظَهْرِهَا –يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ– ((الْعِلَلُ)) (1118 وَ2658).
فَهَذَا مَالِكٌ يَقُولُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَدْ قَلَبَ أَمْرَ الْإِسْلَامِ هَكَذَا!
وَالْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ فِي أَبِي حَنِيفَةَ مَعْرُوفٌ وَكَذَا الثَّوْرِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ.
فَلْيَسْقُطِ الْخَطِيبُ أَوْ يَبْقَ فَنَحْنُ لَا نَحْتَاجُهُ فِي أَبِي حَنِيفَةَ قَدْ كَفَانَا أَمْرُهُ النَّاسَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ الْخَطِيبُ بِقَرْنَيْنِ!
تَمَسَّكْ أَنْتَ بِهِ فَهُوَ الْمَخْرَجُ الْوَحِيدُ لِإِمَامِكُمُ الْكَذَّابِ الْوَضَّاعِ.
{ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } [آل عمران:8]
شاهد المقطع المصور